كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَذَلِكَ أَمْرٌ بَيِّنٌ، وَلَا يَلْزَمُ إذَا ارْتَدَّا مَعًا؛ لِأَنَّا أَثْبَتْنَا حُكْمَهُ بِنَصٍّ آخَرَ، وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَالْقِيَاسُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي مُعَارَضَةِ الْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ حَالَ الِاتِّفَاقِ دُونَ حَالِ الِاخْتِلَافِ فَلَنْ يَصِحَّ التَّعْدِيَةُ إلَيْهِ فِي تَضَادِّ حُكْمَيْنِ وَضَعُفَ أَثَرُ قَوْلِهِ إنَّ الرِّدَّةَ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ بِدَلَالَةِ ارْتِدَادِهِمَا؛ لِأَنَّا وَجَدْنَا اخْتِلَافَ الدِّينِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى الْكُفْرِ لَا يَمْنَعُ، وَمِثَالُهُ قَوْلُهُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ إنَّهُ رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُمَا سَبَبَا الْجُزْئِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةِ، وَالْحُرْمَةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى الْجُزْئِيَّةِ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ فَكَذَلِكَ الرِّدَّةُ تَبْدِيلُ الدِّينِ، وَذَلِكَ تُوجِبُ إبْطَالَ عِصْمَةِ الشَّخْصِ وَعِصْمَةَ أَمْلَاكِهِ فَتُوجِبُ بُطْلَانَ عِصْمَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ دُونَ نَفْسِهِ، وَكَذَا الشَّخْصُ بِبُطْلَانِ الْعِصْمَةِ يَلْتَحِقُ بِالْمَوْتَى وَالْجَمَادَاتِ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِمِلْكِ النِّكَاحِ بِوَجْهٍ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَتَعَجَّلَ الْفُرْقَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَبْقَى مَعَ مَا يُنَافِيهِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ بَيِّنٌ أَيْ كَوْنُ الرِّدَّةِ مِنْ أَسْبَابِ زَوَالِ الْعِصْمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا مَبْنَى النِّكَاحِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ إذْ الرِّدَّةُ تُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ عِصْمَةِ النَّفْسِ وَالْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ.
وَلَا يَلْزَمُ إذَا ارْتَدَّا مَعًا يَعْنِي لَا يُقَالُ لَوْ كَانَ بُطْلَانُ النِّكَاحِ بِالرِّدَّةِ لِلْمُنَافَاةِ لَزِمَ أَنْ تَبْطُلَ بِارْتِدَادِهِمَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِازْدِيَادِ الْمُنَافِي كَمَا لَوْ اجْتَمَعَ الرِّضَاءُ وَالنَّسَبُ أَوْ الْمُصَاهَرَةُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ ارْتِدَادُهُمَا مُبْطِلًا أَيْضًا لِلْمُنَافَاةِ كَمَا قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّ الْعَرَبَ ارْتَدُّوا فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَمَّا أَسْلَمُوا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِتَجْدِيدِ الْأَنْكِحَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ شَيْئَيْنِ ظَهَرَا، وَلَمْ يُعْرَفْ التَّارِيخُ بَيْنَهُمَا أَنْ يُجْعَلَا كَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا كَمَا فِي الْغَرْقَى وَالْحَرْقَى، وَقَدْ تَحَقَّقَ ارْتِدَادُ الْعَرَبِ وَلَمْ يَعْرِفُ التَّارِيخُ أَنَّ الْمَرْأَةَ ارْتَدَّتْ أَوَّلًا أَمْ الرَّجُلُ فَجُعِلَ كَالْوَاقِعِ مَعًا فَصَارَ إجْمَاعًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ وَلِأَنَّ حَالَ الِاتِّفَاقِ دُونَ حَالِ الِاخْتِلَافِ يَعْنِي لَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدًا لَا يَدُلُّ مُنَافَاةُ ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا لِلنِّكَاحِ عَلَى مُنَافَاةِ ارْتِدَادِهِمَا إيَّاهُ؛ لِأَنَّ حَالَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الِارْتِدَادِ فِي اقْتِضَاءِ الْحُرْمَةِ دُونَ حَالِ اخْتِلَافِهِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي حَالِ الِاخْتِلَافِ لَيْسَ الْكَافِرُ مِنْهُمَا بِمَعْصُومٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَلِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ بَيْنَهُمَا بَطَلَ النِّكَاحُ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي حَالِ الِاتِّفَاقِ مَعْدُومٌ فَلَمْ يَصْلُحْ التَّعْدِيَةُ أَيْ تَعْدِيَةُ حُكْمِ الِاخْتِلَافِ إلَيْهِ أَيْ إلَى الِاتِّفَاقِ فِي تَضَادِّ حُكْمَيْنِ أَيْ مَعَ تَضَادِّ حُكْمَيْ الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ فَإِنَّ الِاتِّفَاقَ يَقْتَضِي الْحِلَّ وَبَقَاءَ النِّكَاحِ، وَالِاخْتِلَافُ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَالْفُرْقَةَ.
وَضَعُفَ أَثَرُ قَوْلِهِ يَعْنِي ضَعُفَ أَثَرُ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ وَاعْتِبَارُهُ ارْتِدَادَ أَحَدِهِمَا بِارْتِدَادِهِمَا جَمِيعًا فِي عَدَمِ مُنَافَاتِهِ النِّكَاحَ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّا وَجَدْنَا دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ فَلَمْ يَصِحَّ التَّعْدِيَةُ، وَقَوْلُهُ وَضَعُفَ أَثَرُ قَوْلِهِ إنَّ الرِّدَّةَ كَذَا يَعْنِي لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ ارْتِدَادِهِمَا بِارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا فِي إثْبَاتِ الْمُنَافَاةِ فِيهِ، وَلَا ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا بِارْتِدَادِهِمَا فِي نَفْيِ الْمُنَافَاةِ عَنْهُ؛ لِأَنَّا وَجَدْنَا لِاخْتِلَافِ الدِّينِ تَأْثِيرًا فِي الْحُرْمَةِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ بِلَا خِلَافٍ وَيَقْطَعُهُ أَيْضًا عِنْدَهُ كَمَا بَيَّنَّا وَلِاتِّفَاقِ الدِّينِ تَأْثِيرٌ فِي الْحَالِ حَتَّى جَازَ نِكَاحُ مَجُوسِيَّيْنِ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ فَثَبَتَ أَنَّ الِاتِّفَاقَ لَيْسَ مِثْلَ الِاخْتِلَافِ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُنَافَاةِ أَحَدِهِمَا مُنَافَاةُ الْآخَرِ، وَلَا مِنْ عَدَمِ مُنَافَاةِ أَحَدِهِمَا عَدَمُ مُنَافَاةِ الْآخَرِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ امْتِنَاعُ صِحَّةِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا ابْتِدَاءً بَعْدَ الرِّدَّةِ عِلَّةً لِلْمَنْعِ مِنْ بَقَاءِ النِّكَاحِ لَا بِابْتِنَاءِ فَسَادِ اعْتِبَارِ حَالَةِ الْبَقَاءِ بِحَالَةِ الِابْتِدَاءِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ لَا يَسْتَدْعِي دَلِيلًا مُبْقِيًا، وَإِنَّمَا يَسْتَدْعِي الْفَائِدَةَ فِي الْإِبْقَاءِ وَبَعْدَ رِدَّتِهِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ إلَى الْإِسْلَامِ وَبِهِ يَظْهَرُ فَائِدَةُ الْبَقَاءِ فَأَمَّا الثُّبُوتُ ابْتِدَاءً فَيَسْتَدْعِي الْحِلَّ فِي الْمَحِلِّ وَذَلِكَ مَعْدُومٌ بَعْدَ الرِّدَّةِ وَعِنْدَ رِدَّةِ أَحَدِهِمَا لَا يَظْهَرُ فِي الْإِبْقَاءِ فَائِدَةٌ مَعَ مَا هُمَا عَلَيْهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ.
وَمِثَالُهُ

الصفحة 91