كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ: إنَّهُ مُتَعَيِّنٌ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِمْ صَوْمُ فَرْضٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضِيَّةَ لَا تُوجِبُ إلَّا الِامْتِثَالَ بِهِ وَالتَّعْيِينَ لَا مَحَالَةَ وَذَلِكَ وَصْفٌ خَاصٌّ فِي الْبَابِ.
وَأَمَّا التَّعْيِينُ فَلَازِمٌ حَتَّى تَعَدَّى إلَى الْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ وَرَدِّ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَعَقْدِ الْأَيْمَانِ وَنَحْوِهَا فَكَانَ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا فِي الْمَنَافِعِ إنَّهَا لَا تُضْمَنُ مُرَاعَاةً لِشَرْطِ ضَمَانِ الْعُدْوَانِ بِالِاحْتِرَازِ عَنْ الْفَضْلِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ مَا يُضْمَنُ بِالْعَقْدِ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ تَحَقَّقَتْ لِلْجَبْرِ، وَإِثْبَاتِ الْمِثْلِ تَقْرِيبًا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ؛ لِأَنَّهُ فَضْلٌ عَلَى الْمُتَعَدِّي أَوْ إهْدَارٌ عَلَى الْمَظْلُومِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ أَوْ الْمَغْصُوبَ إلَى الْمَالِكِ أَوْ رَدَّ الْمَبِيعَ إلَى الْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ لِأَجْلِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْغَصْبِ أَوْ لِرَدِّ الْبَيْعِ بَلْ بِأَيِّ طَرِيقٍ وُجِدَ يَقَعُ فِي الْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِتَعَيُّنِ الْمَحَلِّ، وَلَوْ أَدَّى الدَّيْنَ يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ.
وَعَقْدُ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى يَعْنِي لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ فِي الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ يُعَيِّنَ أَنَّهُ يُؤَدِّي الْفَرْضَ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى الْفُرُوضِ بَلْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ يَأْتِي بِهِ يَقَعُ عَلَى الْفَرْضِ لِكَوْنِهِ مُتَعَيِّنًا غَيْرَ مُتَنَوِّعٍ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَعَقْدُ الْأَيْمَانِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ يَعْنِي إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِ عَيْنٍ أَوْ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ فِعْلٍ بِأَنْ حَلَفَ لِيَصُومَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا الْيَوْمَ فَفَعَلَ ذَلِكَ أَوْ امْتَنَعَ عَنْهُ لَا عَلَى قَصْدِ الْبِرِّ يَقَعُ عَنْ الْبِرِّ لِلتَّعَيُّنِ أَوْ مَعْنَاهُ إذَا وُجِدَ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الْحِنْثِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ وُجِدَ نِسْيَانًا أَوْ كَرْهًا أَوْ خَطَأً لِتَعَيُّنِهِ وَنَحْوِهَا كَتَصْدِيقِ النِّصَابِ عَلَى الْفَقِيرِ بِدُونِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ مُسْقِطٌ لِلزَّكَاةِ لِتَعَيُّنِ الْمَحَلِّ، وَكَإِطْلَاقِ النِّيَّةِ فِي الْحَجِّ يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ لِتَعَيُّنِ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَكَالسَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ إذَا بِيعَ بِجِنْسِ الْحِلْيَةِ، وَقَدْ أَدَّى بَعْضَ ثَمَنِ السَّيْفِ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ افْتَرَقَا يَتَعَيَّنُ الْمُؤَدَّى لِلْحِلْيَةِ سَوَاءٌ أُطْلِقَ أَوْ عُيِّنَ أَوْ قِيلَ مِنْ ثَمَنِهِمَا لِتَعَيُّنِ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ لِلْقَبْضِ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا) يَعْنِي، وَكَمَا كَانَ قَوْلُنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَوْلَى وَأَرْجَحَ لِقُوَّةِ ثَبَاتِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ كَانَ قَوْلُنَا فِي الْمَنَافِعِ أَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ لِأَجْلِ مُرَاعَاةِ شَرْطِ ضَمَانِ الْعُدْوَانِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] مُقَدَّرٌ بِالْمِثْلِ صُورَةً، وَمَعْنًى بِلَا صُورَةٍ،، وَإِيجَابُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمِثْلِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْأَعْيَانُ لَيْسَتْ بِمُمَاثِلَةٍ لِلْمَنَافِعِ فِي الْمَالِيَّةِ لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَعْيَانَ تَبْقَى وَتَدُومُ، وَلَا بَقَاءَ لِلْمَنَافِعِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ مَا هُوَ فَوْقَ الْمُتْلَفِ فِي صِفَةِ الْمَالِيَّةِ عَلَى الْمُتَعَدِّي كَمَا لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْجَيِّدِ مَكَانَ الرَّدِيءِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ بِالِاحْتِرَازِ عَنْ الْفَصْلِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ مَا يُضْمَنُ بِالْعَقْدِ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ تَحْقِيقًا لِلْجَبْرِ كَالْأَعْيَانِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ كَالْعَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَنْهَا، وَالنَّاسُ يَتَمَوَّلُونَهَا وَالتَّفَاوُتُ الثَّابِتُ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِيَّةِ وَالْعَرْضِيَّةِ مَجْبُورٌ بِكَثِيرَةِ الْأَجْزَاءِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ شَهْرٍ وَاحِدٍ أَكْثَرُ أَجْزَاءً عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالدِّرْهَمِ الْوَاحِدِ فَيُجْبَرُ النُّقْصَانُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ فَاسْتَوَيَا قِيمَةً فَبَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ التَّفَاوُتُ فِيمَا وَرَاءَ الْقِيمَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَالتَّفَاوُتِ فِي الْحِنْطَةِ مِنْ حَيْثُ الْحَبَّاتُ وَاللَّوْنُ وَنَحْوُهَا فِيمَا إذَا أَتْلَفَ حِنْطَةً، وَأَتَى بِمِثْلِهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ، وَإِثْبَاتُ الْمِثْلِ تَقْرِيبًا يَعْنِي إيجَابَ الْمِثْلِ ثَابِتٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا بِأَدْنَى تَفَاوُتٍ يُتَحَمَّلُ كَمَا فِي إيجَابِ الْقِيمَةِ عَنْ الْعَيْنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إيجَابِ الْمِثْلِ صُورَةً مَعَ أَنَّهَا تُسْتَدْرَكُ بِالظَّنِّ وَالْحَزْرِ.
وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَيْ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ إيجَابُ فَضْلٍ؛ لِأَنَّهُ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمَفْهُومِ أَيْ الْوَاجِبُ فِي الْمَسْأَلَةِ إمَّا إيجَابُ فَضْلٍ عَلَى الْمُتَعَدِّي أَوْ إهْدَارٌ عَلَى الْمَظْلُومِ حَقَّهُ يَعْنِي لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ إيجَابُ الْمِثْلِ بِدُونِ الْفَضْلِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْتِزَامِ أَحَدِ مَحْذُورَيْنِ إمَّا إيجَابُ الْفَضْلِ عَلَى الْمُتَعَدِّي رِعَايَةً لِجَانِبِ الْمَظْلُومِ بِجَبْرِ حَقِّهِ أَوْ إهْدَارُ حَقِّ الْمَظْلُومِ بِعَدَمِ إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُتَعَدِّي احْتِرَازًا عَنْ إيجَابِ الْفَضْلِ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ إلْحَاقَ الْخُسْرَانِ بِالظَّالِمِ أَحَقُّ، وَفِيهِ دَفْعُ الظُّلْمِ وَسَدُّ بَابِ الْعُدْوَانِ أَوْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْفَضْلِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ الْفَضْلَ إنْ اُعْتُبِرَ فَهُوَ فَضْلٌ وَاجِبٌ عَلَى الْمُتَعَدِّي ذَلِكَ لَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ

الصفحة 93