كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَلِأَنَّهُ إهْدَارُ وَصْفٍ أَوْ إهْدَارُ أَصْلٍ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمِثْلِ وَاجِبٌ فِي كُلِّ بَابٍ كَمَا فِي الْأَمْوَالِ كُلِّهَا وَالصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَوَضْعُ الضَّمَانِ فِي الْمَعْصُومِ أَمْرٌ جَائِزٌ مِثْلُ الْعَادِلِ يُتْلِفُ مَالَ الْبَاعِي، وَالْحَرْبِيُّ يُتْلِفُ مَالَ الْمُسْلِمِ، وَالْفَضْلُ عَلَى الْمُتَعَدِّي غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ قَلَّ فَإِنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يُنْسَبُ إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَنِسْبَةُ الْجَوْرِ إلَيْهِ بِدُونِ وَاسِطَةِ فِعْلِ الْعَبْدِ بَاطِلٌ، وَأَنْ لَا يَضْمَنَ مُضَافٌ إلَى عَجْزِنَا عَنْ الدَّرْكِ، وَذَلِكَ سَائِغٌ حَسَنٌ؛ وَلِأَنَّ الْوَصْفَ، وَإِنْ قَلَّ فَائِتٌ أَصْلًا بِلَا بَدَلٍ، وَالْأَصْلُ، وَإِنْ عَظُمَ فَائِتٌ إلَى ضَمَانٍ فِي دَارِ الْجَزَاءِ فَكَانَ تَأَخُّرًا وَالْأَوَّلُ إبْطَالًا وَالتَّأْخِيرُ أَهْوَنُ مِنْ الْإِبْطَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَقِّهِ لِتَعَدِّيهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ فَهُوَ إهْدَارٌ لِجِهَةِ الْفَضِيلَةِ عَلَى الْمَظْلُومِ تَحْقِيقًا لِإِيجَابِ الْمِثْلِ جَبْرًا لِحَقِّهِ، وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا كَإِهْدَارِ الْمَوَدَّةِ فِي بَابِ الرِّبَا تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمَفْهُومِ أَيْضًا أَيْ؛ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إمَّا إهْدَارُ وَصْفٍ عَمَّا وَجَبَ عَلَى الظَّالِمِ، وَهُوَ الْعَيْنِيَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْبَقَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ إيجَابِ الضَّمَانِ أَوْ إهْدَارُ أَصْلٍ أَيْ إسْقَاطُ أَصْلِ حَقِّ الْمَظْلُومِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ إيجَابِ الضَّمَانِ فَكَانَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ إهْدَارُ الْوَصْفِ أَوْلَى تَحَمُّلًا لِأَدْنَى الضَّرَرَيْنِ لِدَفْعِ أَعْلَاهُمَا وَلَوْ صَرَفْت الضَّمِيرَ فِي؛ لِأَنَّهُ إلَى شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ إيجَابِ الضَّمَانِ وَنَحْوِهِ لَفَسَدَ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ مَا حَكَمْت عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إهْدَارُ وَصْفٍ غَيْرُ مَا حَكَمْت عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إهْدَارُ أَصْلٍ، وَلَا بُدَّ فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَاحِدًا. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّقْيِيدَ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِمْ يَعْنِي قَوْلَنَا كَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِمْ كَذَا؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمِثْلِ وَاجِبٌ فِي كُلِّ بَابٍ أَيْ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الضَّمَانَاتِ مَالِيًّا كَانَ أَوْ بَدَنِيًّا فَإِنَّ ضَمَانَ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ مُقَيَّدٌ بِالْمِثْلِ بِالْإِجْمَاعِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ فَكَانَ هَذَا الْوَصْفُ أَثْبَتَ مِمَّا ذَكَرُوا فَكَانَ أَرْجَحَ.
وَوَضْعُ الضَّمَانِ فِي الْمَعْصُومِ أَيْ إسْقَاطُ الضَّمَانِ عَمَّنْ أَتْلَفَ مَالًا مَعْصُومًا أَمْرٌ جَائِزٌ فِي الشَّرْعِ مِثْلُ الْعَادِلِ يُتْلِفُ مَالَ الْبَاغِي فَإِنَّ مَالَهُ مَعَ بَغْيِهِ مَعْصُومٌ لَا يُبَاحُ لِغَيْرِ الْعَادِلِ إتْلَافُهُ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِغْنَاؤُهُ وَتَمَلُّكُهُ لِأَحَدٍ، وَفِي التَّقْوِيمِ كَإِتْلَافِ الْبَاغِي أَمْوَالَنَا وَنُفُوسَنَا فِي حَالِ الْمَنَعَةِ، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَالْفَضْلُ عَلَى الْمُتَعَدِّي أَيْ إيجَابُ الْفَضْلِ عَلَى الْمُتَعَدِّي غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ تَعَدِّيًا أَوْجَبَ زِيَادَةً عَلَى الْمِثْلِ بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَثَبَتَ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا فِي نَفْيِ الزِّيَادَةِ عَنْ الْمُتَعَدِّي أَثْبَتُ مِمَّا ذَكَرُوا، وَهَذَا أَيْ عَدَمُ إيجَابِ الْفَضْلِ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ، وَإِنْ قَلَّ فَإِنَّهُ أَيْ إيجَابُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ يُنْسَبُ إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَهُوَ ثَابِتُ الشَّرْعِ فَيَكُونُ هَذَا إضَافَةَ الظُّلْمِ إلَى الشَّرْعِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ يَعْنِي بِدُونِ جِنَايَةٍ مِنْ الْعَبْدِ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ التَّعَدِّي فِي مُقَابَلَةِ الْفَضْلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ تَعَدٍّ عَلَى الْغَيْرِ فَيَكُونُ جَوْرًا، وَنِسْبَةُ الْجَوْرِ إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ بَاطِلَةٌ، وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ قَوْلَهُ بِدُونِ وَاسِطَةٍ فِعْلُ الْعَبْدِ هَاهُنَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ نِسْبَةَ الْجَوْرِ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ فِعْلِ الْعَبْدِ جَائِزَةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ نِسْبَةُ الْجَوْرِ إلَيْهِ لَا تَجُوزُ بِحَالٍ، وَمَا يُضَافُ إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ مِنْ إيجَابِ الْجَزَاءِ بِوَاسِطَةِ فِعْلِ الْعَبْدِ لَيْسَ بِجَوْرٍ.
وَعِبَارَةُ التَّقْوِيمِ تُؤَيِّدُهُ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ رَاجِعَةٌ إلَى مَا يَتَبَيَّنُ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ بِفَتْوَانَا وَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى مَصُونٌ عَنْ الْجَوْرِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ نُسَخِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَأَظُنُّهَا لِلشَّيْخِ أَنَّ إضَافَةَ الظُّلْمِ إلَى الشَّرْعِ بِوَاسِطَةِ فِعْلِ الْعَبْدِ يَجُوزُ مِنْ حَيْثُ الْإِرَادَةُ وَالتَّقْدِيرُ وَالْمَشِيئَةُ دُونَ الرِّضَاءِ وَالْأَمْرُ بِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ذِكْرُهُ مُفِيدًا، وَمُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَأَنْ لَا يَضْمَنَ أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَسُقُوطُهُ مُضَافٌ إلَى عَجْزِنَا عَنْ الدَّرْكِ أَيْ دَرْكِ الْمِثْلِ الْوَاجِبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَى ذِمَّةِ الْمُتْلِفِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ مُقَدَّرًا بِالْمِثْلِ فَإِنَّ إيجَابَ الْمِثْلِ مِنْ الْعَدْلِ، وَلَكِنَّا عَجَزْنَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ فَسَقَطَ ذَلِكَ لِلْعَجْزِ، وَذَلِكَ أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَسُقُوطُهُ لِلْعَجْزِ سَائِغٌ حَسَنٌ كَسُقُوطِ وُجُوبِ الْمِثْلِ صُورَةً عِنْدَ الْعَجْزِ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ وَسُقُوطِ فَضْلِ الْوَقْتِ فِي ضَمَانِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ الْوَصْفَ، وَهُوَ الْفَضْلُ عَلَى تَقْدِيرِ إيجَابِ الضَّمَانِ فَائِتٌ أَصْلًا بِلَا بَدَلٍ إذْ لَا يَبْقَى لِلْمُتْلِفِ

الصفحة 94