كتاب الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)

وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». وَقوله: تَعَالَى (إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ).
54 - حَدَّثَنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مقول القول ولم يذكر اللام في عامتهم لأنهم كالأتباع للأئمة لا استقلال لهم وإعادة اللام تدل عليه وهذا الحديث ذكره البخاري تعليقاً وقد رواه مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" وليس لتميم في هذا الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا في صحيح مسلم غير هذا الحديث وهو من أفراد مسلم وهذا حديث عظيم الشأن وعليه مدار الإسلام. الخطابي: النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له ويقال هو من وجيز الأسماء ومختصر الكلام وليس في كلام العرب كلمة مفردة تستوفى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة كما قالوا في الفلاح ليس في كلامهم كلمة أجمع لخير الدنيا والآخرة منه وقيل النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب وقيل أنها مأخوذة من نصحت العسل إذا صفيته من الشمع شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط ومعنى الحديث عماد الدين وقوامه النصيحة كقوله: الحج عرفة أي عماده ومعظمه وأما النصيحة لله تعالى فمعناها يرجع إلى الإيمان ونفى الشرك عنه وترك الإلحاد في صفاته ووصفه سبحانه وتعالى بصفات الجلال والكمال وتنزيهه عن النقائص والقيام بطاعته واجتناب معصيته وموالاة من أطاعه ومعاداة من عصاه والاعتراف بنعمته وشكره عليها والإخلاص في جميع الأمور قال وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد في نصحه نفسه فإنه تعالى غني عن نصح الناصح وعن العالمين وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى فالإيمان بأنه كلام الله وتنزيله لا يشبهه شئ من كلام الخلق ولا يقدر على مثله أحد من المخلوقات ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وإقامة حروفه في التلاوة والتصديق بما فيه وتفهم علومه والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه والبحث عن ناسخه ومنسوخه وعمومه وخصوصه وسائر وجوهه ونشر علومه والدعاء إليه. وأما النصيحة لرسوله فتصديقه على الرسالة والإيمان بما جاء به وطاعته في أوامره ونواهيه ونصرته حياً وميتاً وإعظام حقه وإحياء سنته والتلطف في تعلمها وتعليمها والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه ومحبة أهل بيته وأصحابه. وأما النصيحة للأئمة فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتذكيرهم برفق وترك الخروج عليهم بالسيف ونحوه والصلاة خلفهم والجهاد معهم وأداء الصدقات إليهم هذا على المشهور من أن المراد بالأئمة أصحاب الحكومة كالخلفاء والولاة وقد يؤول بعلماء الدين ونصيحتهم قبول ما رووه وتقليدهم في الأحكام وإحسان الظن بهم. وأما نصيحة

الصفحة 217