كتاب خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي (اسم الجزء: 2)

طَعَاما وَلَا إدَامًا إِلَّا بَادرُوا إِلَيْهِ واشتروه وَلَا يناكحوهم وَلَا يقبلُوا مِنْهُم صلحا أبدا وَلَا تأخذهم بهم رأفة حَتَّى يسلمُوا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ للْقَتْل وَكَتَبُوا بذلك صحيفَة وعلقوها فِي الْكَعْبَة وتمادوا على الْعَمَل بِمَا فِيهَا من ذَلِك ثَلَاث سِنِين.
فَاشْتَدَّ الْبلَاء على بني هَاشم وَمن مَعَهم فَأَجْمعُوا على نقض مَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ من الْغدر والبراءة وَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأبي طَالب: يَا عَم إِن رَبِّي قد سلط الأرضة على صحيفَة قُرَيْش فلحستها إِلَّا مَا كَانَ اسْما لله فأبقته. قَالَ: أربك أخْبرك بِهَذَا قَالَ: نعم قَالَ: فو الله مَا يدْخل عَلَيْك أحد ثمَّ خرج إِلَى قُرَيْش فَقَالَ: يَا معشر قُرَيْش إِن ابْن أخي أَخْبرنِي وَلم يكذبنِي أَن هَذِه الصَّحِيفَة الَّتِي فِي أَيْدِيكُم قد بعث الله عَلَيْهَا دَابَّة فلحست مَا فِيهَا فَإِن كَانَ كَمَا يَقُول فأفيقوا فَلَا وَالله لَا نسلمه حَتَّى نموت وَإِن كَانَ يَقُول بَاطِلا دفعناه إِلَيْكُم.
فَقَالُوا: قد رَضِينَا. ففتحوا الصَّحِيفَة فوجدوها كَمَا أخبر بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَقَالُوا: هَذَا سحر ابْن أَخِيك وَزَادَهُمْ ذَلِك بغياً وعدواناً. فَقَالَ أَبُو طَالب: يَا معشر قُرَيْش علام نحصر ونحبس وَقد بَان الْأَمر وَتبين أَنكُمْ أهل الظُّلم والقطيعة ثمَّ دخل هُوَ وَأَصْحَابه بَين أَسْتَار الْكَعْبَة وَقَالَ: اللَّهُمَّ انصرنا على من ظلمنَا وَقطع أرحامنا واستحل مَا يحرم عَلَيْهِ منا. ثمَّ انْصَرف إِلَى الشّعب وَقَالَ هَذِه القصيدة.
قَالَ ابْن كثير: هِيَ قصيدة بليغة جدا لَا يَسْتَطِيع أَن يَقُولهَا إِلَّا من نسبت إِلَيْهِ وَهِي أفحل من المعلقات السَّبع وأبلغ فِي تأدية الْمَعْنى.
وَقد أَحْبَبْت أَن أوردهَا هُنَا منتخبة مشروحةً بشرح يُوفي الْمَعْنى محبَّة فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ)
وَسلم وَهِي هَذِه:

الصفحة 58