كتاب خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي (اسم الجزء: 3)

الظَّالِم بظلمه سَرِيعا وَإِن لم يَظْلمه أحد ظلم النَّاس إِظْهَارًا لعزة نَفسه وشدّة جراءته. وسَرِيعا: حَال أَو صفة مصدر أَي: يُعَاقب عقَابا سَرِيعا.
وَقَوله: وَإِلَّا يبد الأَصْل فِيهِ الْهَمْز من بَدَأَ يبْدَأ إِلَّا أَنه لما اضْطر أبدل من الْهمزَة ألفا ثمَّ حذف الْألف للجزم وَهَذَا من أقبح الضرورات وَلِهَذَا أوردهُ الشَّارِح الْمُحَقق فِي أول شرح الشافية.
وَحكي عَن سِيبَوَيْهٍ: أَن أَبَا زيد قَالَ لَهُ: من الْعَرَب من يَقُول قريت فِي قَرَأت
فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: كَانَ يجب أَن يَقُول أقري حَتَّى تكون مثل رميت أرمي. وَإِنَّمَا أنكر سِيبَوَيْهٍ هَذَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَجِيء فعلت أفعل بِفَتْح الْعين فيهمَا إِذا كَانَ عين الْفِعْل أَو لامه من حُرُوف الْحلق وَلَا يكَاد يكون هَذَا فِي الْألف إِلَّا أَنهم قد حكوا أَبى يَأْبَى فجَاء على فعل يفعل.)
قَالَ أَبُو إِسْحَاق قَالَ اسماعيل بن اسحاق: إِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِي الْألف لمضارعتها حُرُوف الْحلق فشبّهت بِالْهَمْزَةِ. يَعْنِي: فشبهت بقَوْلهمْ قَرَأَ يقْرَأ وَمَا أشبهه.
(رعوا مَا رعوا من ظمئهم ثمَّ أوردوا ... غماراً تسيل بِالرِّمَاحِ وبالدم)
هَذَا إضراب عَن قصَّة حُصَيْن إِلَى تقبيح الْحَرْب والحث على الصُّلْح. الظمء بِالْكَسْرِ وَآخره همزَة أَصله الْعَطش وَهُوَ هُنَا مَا بَين الشربتين. والغمار جمع غمر بِالْفَتْح وَهُوَ المَاء الْكثير. يُرِيد: أَقَامُوا فِي غير حَرْب ثمَّ أوردوا خيلهم وأنفسهم الْحَرْب أَي: أدخلوها فِي الْحَرْب أَي: كَانُوا فِي صَلَاح من أُمُورهم ثمَّ صَارُوا إِلَى حَرْب يسْتَعْمل فِيهَا السِّلَاح وتسفك فِيهَا الدِّمَاء. وَضرب الظمء مثلا لما كَانُوا فِيهِ من ترك الْحَرْب وَضرب الغمار مثلا لشدَّة الْحَرْب. وَرُوِيَ: تفرّى بِالسِّلَاحِ وبالدم وَأَصله تتفرّى بتاءين أَي: تتفتّح وتتكشف.
(فقضوا منايا بَينهم ثمَّ أصدروا ... إِلَى كلأ مستوبل متوخّم)

الصفحة 18