كتاب خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي (اسم الجزء: 3)

وَأما الرّفْع فعلى الِابْتِدَاء وَجُمْلَة أَلْقَاهَا هُوَ الْخَبَر. فحتى على هَذَا. وعَلى الْوَجْه الأول. من وَجْهي النصب حرف ابْتِدَاء وَالْجُمْلَة بعْدهَا مستأنفة.
وَزعم ابْن خلف: أَن حَتَّى هُنَا عاطفة وَالْجُمْلَة بعْدهَا معطوفة على الْجُمْلَة الْمُتَقَدّمَة وَهَذَا شَيْء قَالَه ابْن السَّيِّد نَقله عَنهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي ورده بقوله: لِأَن حَتَّى لَا تعطف الْجمل وَذَلِكَ لِأَن شَرط معطوفها أَن يكون جُزْءا مِمَّا قبلهَا أَو
كجزء وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إِلَّا فِي الْمُفْردَات.
وَقد نازعه الدماميني فِي هَذَا التَّعْلِيل.
وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت على أَن حَتَّى فِيهِ حرف جر وَأَن مجرورها غَايَة لما قبله كَأَنَّهُ قَالَ: ألْقى الصَّحِيفَة والزاد وَمَا مَعَه من الْمَتَاع حَتَّى انْتهى الْإِلْقَاء إِلَى النَّعْل. وَعَلِيهِ فجملة أَلْقَاهَا للتَّأْكِيد وَالضَّمِير يجوز فِيهِ أَيْضا أَن يعود على النَّعْل وعَلى الصَّحِيفَة. فَقَوله: حَتَّى نَعله أَلْقَاهَا رُوِيَ على ثَلَاثَة أوجه.
(وَمضى يظنّ بريد عَمْرو خَلفه ... خوفًا وَفَارق أرضه وقلاها))
وهما فِي قصَّة المتلمس حِين فر من عَمْرو بن هِنْد. حكى ذَلِك الْأَخْفَش عَن عِيسَى بن عمر فِيمَا ذكره الْفَارِسِي.
وَكَانَ المتلمس قد هجا عَمْرو بن هِنْد وهجاه أَيْضا طرفَة فَكتب لَهما إِلَى عَامله بِالْبَحْرَيْنِ كتابين أوهمهما أَنه أَمر لَهما بجوائز وَهُوَ قد أمره فيهمَا بِقَتْلِهِمَا فَلَمَّا وصلا إِلَى الْحيرَة دفع المتلمس كِتَابه إِلَى غُلَام ليقرأه فَإِذا فِيهِ: أما بعد فَإِذا أَتَاك المتلمس فاقطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وادفنه حَيا فَرمى المتلمس كِتَابه فِي نهر الْحيرَة وهرب إِلَى الشَّام وَقد ذكرنَا خبرهما

الصفحة 22