كتاب خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي (اسم الجزء: 3)

(رَأَيْت النَّاس مَا حاشا قُريْشًا ... فَإنَّا نَحن أفضلهم فعالا)
على أَن الْأَخْفَش روى حاشا مَوْصُولَة بِمَا المصدرية.
قَالَ ابْن عقيل فِي شرح التسهيل: وسيبويه منع من دُخُول مَا على حاشا قَالَ: لَو قلت أَتَوْنِي مَا حاشا زيدا لم يكن كلَاما. وَأَجَازَهُ بَعضهم على قلَّة. . وَأَخْطَأ الْعَيْنِيّ حَيْثُ زعم أَن مَا هُنَا نَافِيَة فَإِن مُرَاد الشَّاعِر تَفْضِيل قومه على مَا عدا قُريْشًا لَا تَفْضِيل قومه على قُرَيْش أَيْضا.
وَقِيَاسه على قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أُسَامَة أحب النَّاس إِلَيّ مَا حاشا فَاطِمَة. فِي أَن مَا نَافِيَة كَمَا قَالَ صَاحب الْمُغنِي يردهُ أَنه صرح أَن مَا فِي الْبَيْت مَصْدَرِيَّة فَإِنَّهُ قَالَ: وتوهم ابْن مَالك أَن مَا فِي الحَدِيث مَا المصدرية وحاشا الاستثنائية فاستدل بِهِ على أَنه قد يُقَال قَامَ الْقَوْم مَا حاشا زيدا كَمَا قَالَ
رَأَيْت النَّاس مَا حاشا قُريْشًا. . الْبَيْت انْتهى كَلَام الْمُغنِي.
وَرَأَيْت: من الرُّؤْيَة القلبية تطلب مفعولين وَالثَّانِي هُنَا مَحْذُوف تَقْدِيره دُوننَا أَو الْجُمْلَة هِيَ الْمَفْعُول الثَّانِي وَالْفَاء زَائِدَة كَمَا قَالَ الدحاميني وَزعم: الْعَيْنِيّ وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ فِي شَوَاهِد الْمُغنِي: أَن رَأَيْت من الرَّأْي وَلِهَذَا اكْتفى بمفعول وَاحِد. وَهَذَا لَا معنى لَهُ هُنَا. فَتَأمل.
وَرُوِيَ أَيْضا: فَأَما النَّاس مَا حاشا قُريْشًا فالفاء فِي المصراع الثَّانِي فَاء الْجَواب. والفعال: بِفَتْح الْفَاء قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: هُوَ كل فعل حسن: من حلم أَو سخاء أَو إصْلَاح بَين النَّاس أَو نَحْو ذَلِك. فَإِن كسرت فاؤه صلح لما حسن من الْأَفْعَال وَمَا لم يحسن.
وَهَذَا الْبَيْت قَالَ العييني وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ: إِنَّه للأخطل من قصيدة. وَقد راجعت ديوانه مرَّتَيْنِ وَلم أَجِدهُ فِيهِ وَرَأَيْت فِيهِ أبياتاً على هَذَا الْوَزْن يهجو بهَا جَرِيرًا ويفتخر بقَوْمه فِيهَا وَلَيْسَ فِيهَا هَذَا الْبَيْت وَأول تِلْكَ الأبيات:
(لقد جاريت يَا ابْن أبي جرير ... عذوماً لَيْسَ ينظرك المطالا)
وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.
وَأنْشد بعده وَهُوَ
الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:
(سُبْحَانَهُ ثمَّ سبحاناً نَعُوذ بِهِ ... وَقَبلنَا سبح الجودي والجمد)
على أَن سُبْحَانَ الله فِيهِ بِمَعْنى سبحاناً. يُرِيد: أَن سُبْحَانَ غير علم لمجيئه نكرَة كَمَا هُنَا ومعرفاً بِالْإِضَافَة وباللام كَمَا بَينه فِي بَاب الْعلم. وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله.
وأنشده سِيبَوَيْهٍ على أَن تنكيره وتنوينه ضَرُورَة وَالْمَعْرُوف فِيهِ أَن يُضَاف أَو يَجْعَل مُفردا معرفَة كَقَوْلِه: سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر

الصفحة 388