كتاب خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي (اسم الجزء: 3)

وَحَاصِل مَا ذكره البقاعيّ فِي شَأْن ورقة بن نَوْفَل: أَنه مِمَّن وحّد الله فِي الْجَاهِلِيَّة فَخَالف قُريْشًا وَسَائِر الْعَرَب فِي عبَادَة الْأَوْثَان وَسَائِر أَنْوَاع الْإِشْرَاك وَعرف بعقله الصَّحِيح أَنهم أخطؤوا دين أَبِيهِم إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام ووحّد الله تَعَالَى واجتهد فِي تطلب الحنيفية دين إِبْرَاهِيم ليعرف أحب الْوُجُوه إِلَى الله تَعَالَى فِي الْعِبَادَة.
فَلم يكتف بِمَا هداه إِلَيْهِ عقله بل ضرب فِي الأَرْض ليَأْخُذ علمه عَن أهل الْعلم بكتب الله الْمنزلَة من عِنْده الضابطة للأديان فأداه سُؤَاله أهل الذّكر الَّذين أَمر الله بسؤالهم إِلَى أَن اتبع الدَّين الَّذِي أوجبه الله فِي ذَلِك الزَّمَان وَهُوَ النَّاسِخ لشريعة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: دين النَّصْرَانِيَّة وَلم يتبعهُم فِي التبديل بل فِي التَّوْحِيد وَصَارَ يبْحَث عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الَّذِي بشر بِهِ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام.
فَلَمَّا أخْبرته ابْنة عمّه الصدّيقة الْكُبْرَى خَدِيجَة رضوَان الله عَلَيْهَا بِمَا رَأَتْ وأخبرت بِهِ فِي شَأْن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من المخايل: بإظلال الْغَمَام وَنَحْوهَا ترجى أَن يكون هُوَ المبشر بِهِ وَقَالَ فِي ذَلِك أشعاراً يتشوق فِيهَا غَايَة التشوق إِلَى إنجاز الْأَمر الْمَوْعُود لينخلع من النَّصْرَانِيَّة إِلَى دينه لِأَنَّهُ كَانَ قَالَ لزيد بن عَمْرو بن نفَيْل لما قَالَ لَهُم الْعلمَاء: إِن أحب الدَّين إِلَى الله دين هَذَا المبشر بِهِ: أَنا أستمر على نصرانيتي إِلَى أَن يَأْتِي هَذَا النَّبِي فَلَمَّا حقق الله الْأَمر وأوقع الإرهاصات: بِالسَّلَامِ من الْأَشْجَار والأحجار على النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وبمناداة إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مَعَ الاستتار مِنْهُ وَخَافَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من ذَلِك فَاشْتَدَّ خَوفه فَنقل ذَلِك إِلَى ورقة بن نَوْفَل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه اشْتَدَّ سروره بذلك وثبته وَشد قلبه وشجعه. فَلَمَّا بدا لَهُ الْأَمر بفراغ نوبَة إسْرَافيل وَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَفعل مَا أمره الله بِهِ: من شقّ صَدره

الصفحة 394