كتاب خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي (اسم الجزء: 3)

فِي الِاسْتِثْنَاء فعل مَاض وَذهب بَعضهم إِلَى أَنه اسْتعْمل اسْتِعْمَال الأدوات وَذهب
البصريون إِلَى انه حرف جر وَذهب أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد إِلَى أَنه يكون فعلا وَيكون حرفا. أما الْكُوفِيُّونَ فاحتجوا على فعليته بِالتَّصَرُّفِ كَقَوْل النَّابِغَة:
(وَمَا أحاشي من الأقوام من أحد)
وَبِأَن لَام الْخَفْض تتَعَلَّق بِهِ قَالَ تَعَالَى: حاش لله وحرف الْجَرّ إِنَّمَا يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ لَا بالحرف وَبِأَن الْحَذف يلْحقهُ فَإِنَّهُم قَالُوا فِي حاشا لله: حاش لله. وَاسْتدلَّ البصريون على حرفيته بأنّ لَا يُقَال مَا حاشا زيدا كَمَا يُقَال مَا خلا زيدا وَمَا عدا عمرا وَبِأَن نون الْوِقَايَة لَا تلْحقهُ فَلَا يُقَال حاشاني وَلَو كَانَ فعلا لقيل. وَأَجَابُوا عَن قَول الْكُوفِيّين بِالتَّصَرُّفِ بِأَن أحاشي مَأْخُوذ من لفظ حائى وَلَيْسَ متصرفاً مِنْهُ كَمَا يُقَال: بسمل وَهَلل وحمدل وسبحل وحوقل: إِذا قَالَ بِسم الله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالْحَمْد لله وَسُبْحَان الله وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَكَذَلِكَ يُقَال: لبّي إِذا وَقَوْلهمْ: إِن لَام الْجَرّ تتَعَلَّق بِهِ قُلْنَا: لَا نسلّم فَإِنَّهَا زَائِدَة لَا تتَعَلَّق بِشَيْء. وَأما قَوْله تَعَالَى: حاش لله فَلَيْسَ لَهُم فِيهِ حجَّة فَإِن حاش فِيهِ لَيست للإستثناء وَإِنَّمَا هِيَ للتنزيه.
وَقَوْلهمْ: لحقه الْحَذف قُلْنَا: جَوَابه من وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن الأَصْل حاش لله وَالْألف فِي حاشا حدثت زيادتها وَالثَّانِي أَن الْحَرْف يدْخلهُ الْحَذف كثيرا كربّ وَإِن يلحقهما التَّخْفِيف وكقولك: سَوْ أفعل فِي سَوف أفعل وَيُقَال: فِيهِ سف أفعل أَيْضا اه كَلَامه مُخْتَصرا.

الصفحة 404