كتاب خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي (اسم الجزء: 3)

فأنخن إبلهن إِلَى تِلْكَ الشَّجَرَة ونزعن ثيابهن فدخلن الغدير وَجَاء امْرُؤ الْقَيْس فَأخذ ثيابهن وَقَالَ: لَا تَأْخُذ امراة مِنْكُن ثِيَابهَا حَتَّى تخرج كَمَا هِيَ فناشدنه الله وطلبن إِلَيْهِ حَتَّى طَال يومهن وخشين أَن
يفوتهن الْمنزل فَجعلْنَ يخْرجن وَاحِدَة وَاحِدَة حَتَّى بلغ إِلَى فَاطِمَة فرآها واستمتع بِالنّظرِ إِلَيْهَا ثمَّ قُلْنَ لَهُ: قد أتعبتنا فاجلس فَجَلَسَ ينشدهن ويحدثهن وَيشْرب من شراب مَعَه فَقَالَت إِحْدَاهُنَّ: أطعمنَا لَحْمًا. فَقَامَ إِلَى مطيّته فنحرها وأطعمهن من لَحمهَا وَشرب حَتَّى انتشى. حَتَّى إِذا أَرَادوا الرواح قَالَت امْرَأَة مِنْهُنَّ: أتدعن امْرأ الْقَيْس يهْلك فَقَالَت فَاطِمَة: فككن رَحْله واحملنه معكن وَأَنا أحملهُ معي فِي هودجي ففعلن فَجعل يمِيل رَأسه إِلَيْهَا فيقبلها وَجعل هودجها يمِيل بهَا وَهِي تنادي بِهِ وَتقول: قد عقرت بَعِيري فَانْزِل حَتَّى إِذا بلغ قَرِيبا من الْحَيّ كمن فِي غمض من الأَرْض. وَسَار النِّسَاء حَتَّى لحقن برحالهن. انْتهى.
وروى ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد نَحوا من هَذَا مَعَ بعض مُخَالفَة. وَنَصه. قَالَ الفرزدق: أَصَابَنَا بِالْبَصْرَةِ لَيْلًا مطر جود فَلَمَّا أَصبَحت ركبت بغلتي وسرت إِلَى المربد فَإِذا أَنا بآثار)
دوابّ فاتبعت الْأَثر حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى بغال عَلَيْهَا رحال مَوْقُوفَة على غَدِير فأسرعت إِلَى الغدير فَإِذا فِيهِ نسْوَة مستنقعات فِي المَاء فَقلت: لم أر كَالْيَوْمِ أشبه بِيَوْم دارة جلجل وانصرفت مستحيياً فنادينني: يَا صَاحب البغلة ارْجع نَسْأَلك عَن شَيْء.
فَرَجَعت إلَيْهِنَّ فقعدن فِي المَاء إِلَى حلوقهن ثمَّ قُلْنَ: بِاللَّه لمّ أخبرتنا مَا كَانَ من حَدِيث دارة جلجل قلت: حَدثنِي جدي وَأَنا يَوْمئِذٍ

الصفحة 457