كتاب خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي (اسم الجزء: 6)

ومشت الرِّجَال بَينهم وتفاقم أَمرهم حَتَّى جمع كل واحدٍ مِنْهُم لصَاحبه الجموع وزحف إِلَيْهِ بالجيوش فَسَار شُرَحْبِيل فِيمَن مَعَه فَنزل الْكلاب وَأَقْبل أَخُوهُ سَلمَة فِيمَن مَعَه من بني تغلب وسعدٍ وَغَيرهمَا وَكَانَ على بني تغلب السفاح الْمَذْكُور فَالتقى الْقَوْم فَاقْتَتلُوا قتالاً شَدِيدا حَتَّى إِذا كَانَ فِي آخر النَّهَار خذلت بَنو حَنْظَلَة وَعَمْرو بن تَمِيم والرباب وَانْصَرف بَنو سعد وصبر ابْنا وَائِل: بكر وتغلب وَلَيْسَ مَعَهم أحدٌ غَيرهم حَتَّى غشيهم اللَّيْل فَنَادَى مُنَادِي شُرَحْبِيل: من أَتَانِي بِرَأْس سَلمَة فَلهُ مائَة من الْإِبِل. ونادى مُنَادِي سَلمَة كَذَلِك. وَلما انهزم بَنو حَنْظَلَة مَعَ من ذكرنَا خرج مَعَهم شُرَحْبِيل ولحقه ذُو السنينة كَانَت لَهُ سنٌّ زَائِدَة فَسُمي بذلك فَضَربهُ شُرَحْبِيل على ركبته فأطن رجله وَكَانَ ذُو السنينة أَخا أبي حَنش لأمه فَقَالَ ذُو السنينة: يَا أَبَا حَنش قتلني الرجل وَهلك سَاعَته. فَقَالَ أَبُو)
حَنش: قتلني الله إِن لم أَقتلهُ فَحمل أَبُو حَنش على شُرَحْبِيل فأدركه والتفت إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا حَنش اللَّبن اللَّبن قَالَ: قد هرقت لَبَنًا كثيرا. فَقَالَ: يَا أَبَا حَنش أملكا بسوقة فَقَالَ: إِنَّه كَانَ ملكي. فطعنه فَأَلْقَاهُ فاحتز رَأسه فَبعث بِهِ مَعَ ابْن عَم لَهُ إِلَى سَلمَة فطرحه بَين يَدَيْهِ فَقَالَ سَلمَة: لَو كنت أَلقيته إِلْقَاء رَفِيقًا فَقَالَ: مَا صنع بِهِ وَهُوَ حيٌّ شرٌّ من هَذَا وَعرف الْقَوْم الندامة فِي وَجهه واجزع على أَخِيه فهرب أَبُو حَنش فَقَالَ سَلمَة:
(أَلا أبلغ أَبَا حنشٍ رَسُولا ... فَمَا لَك أَن تَجِيء إِلَى الثَّوَاب)
(تعلم أَن شَرّ النَّاس طراً ... قتيلٌ بَين أَحْجَار الْكلاب)
فَأَجَابَهُ أَبُو حَنش:
(أحاذر أَن أجيئك ثمَّ تحبو ... حباء أَبِيك يَوْم صنيبعات)

الصفحة 11