كتاب خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي (اسم الجزء: 6)

(إِن الْفَارُوق لم يردد كلاباً ... إِلَى شيخين هامهما زواقي)
قَالَ: فَبكى عمر بكاء شَدِيدا وَكتب إِلَى سعد بن أبي وَقاص بِالْكُوفَةِ يَأْمُرهُ بإقفال كلاب بن أُميَّة إِلَى الْمَدِينَة فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: مَا بلغ من برك بأبيك قَالَ: كنت أوثره وأكفيه أمره وَكنت أعْتَمد إِذا أردْت أَن أحلب لَهُ لَبَنًا أغزر ناقةٍ فِي أبله وأسمنها فأريحها فأتركها حَتَّى تَسْتَقِر ثمَّ أغسل أخلافها حَتَّى تبرد ثمَّ أحلب لَهُ فأسقيه. فَبعث عمر إِلَى أُميَّة فجَاء يتهادى وَقد ضعف بَصَره وانحنى فَقَالَ لَهُ: كَيفَ أَنْت يَا أَبَا كلاب فَقَالَ: كَمَا ترى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ.)
قَالَ: فَهَل لَك من حَاجَة قَالَ: نعم أشتهي أَن أرى كلاباً فأشمه شمةً وأضمه ضمةً قبل أَن أَمُوت فَبكى عمر وَقَالَ: ستبلغ فِي هَذَا مَا تحب إِن شَاءَ الله ثمَّ أَمر كلاباً أَن يحتلب لِأَبِيهِ نَاقَة كَمَا كَانَ يفعل وَيبْعَث إِلَيْهِ بلبنها. فَفعل فَنَاوَلَهُ عمر الْإِنَاء وَقَالَ: دُونك هَذَا يَا أَبَا كلاب. فَلَمَّا أَخذه وَأَدْنَاهُ إِلَى فَمه قَالَ: لعمر الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي لأشم رَائِحَة يَدي كلاب من هَذَا الْإِنَاء.
فَبكى عمر وَقَالَ لَهُ: هَذَا كلابٌ عنْدك حَاضر قد جئْنَاك بِهِ. فَوَثَبَ إِلَى إبنه فضمه إِلَيْهِ وَقَبله وَجعل عمر يبكي وَمن حَضَره وَقَالَ لكلاب: الزم أَبَوَيْك فَجَاهد فيهمَا مَا بقيا ثمَّ شَأْنك بِنَفْسِك بعدهمَا.
وَأمر لَهُ بعطائه وَصَرفه إِلَى أَبِيه فَلم يزل مَعَه مُقيما حَتَّى مَاتَ أَبَوَاهُ. وَأخْبرنَا الْحسن بن عَليّ قَالَ: حَدثنَا الْحَارِث عَن الْمَدَائِنِي قَالَ: لما مَاتَ أُميَّة بن الأسكر عَاد ابْنه كلاب إِلَى الْبَصْرَة فَكَانَ يَغْزُو مَعَ الْمُسلمين مِنْهَا مغازيهم وَشهد فتوحاً كَثِيرَة. وَبَقِي إِلَى أَيَّام زِيَاد فولاه الأبلة فَسمع كلابٌ يَوْمًا عُثْمَان بن

الصفحة 21