كتاب الخطاب القرآني لأهل الكتاب وموقفهم منه قديما وحديثا

حولهم بأنهم يقصدون بذلك (أرعنا سمعك)، أي: انتبه لما نقول لك, وهم يقصدون بذلك سب النبي - صلى الله عليه وسلم - ووصفه بالرعونة (وَرَاعِينُو بِالعِبْرِيَّةِ تَعْنِي الشِّرِّيرَ) وهم إنما يفعلون ذلك استهزاءً بالدين الذي يبلغه النبي عن ربه إلى عباد الله" (¬1).
وعلى هذا فمعنى تحريفهم الكلم عن مواضعه أنهم يغيرونه ويتأولونه بالباطل, ويوهمون السامع أنهم يريدون الخير, وهم على العكس من ذلك يريدون الشر.
الثاني: ما ذكره الله بقوله: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (¬2).
وهذا التحريف هو تبديلهم لهيئة الفعل التي أمرهم الله بها لدخولهم الأرض المقدسة سجداً, فتأولوها بالتأويلات الفاسدة, قال ابن الجوزي رحمه الله: " أمرهم في دخولهم بفعل وقول, فالفعل: السجود, وفيه خمسة أقوال:
أحدها: أنهم دخلوا متزحفين على أوراكهم, رواه أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3).
الثاني: أنهم دخلوا من قبل أستاههم, قاله ابن عباس وعكرمة.
الثالث: أنهم دخلوا مقنعي رؤوسهم, قاله ابن مسعود (¬4).
والرابع: أنهم دخلوا على حروف عيونهم, قاله مجاهد.
والخامس: أنهم دخلوا مستلقين, قاله مقاتل" (¬5).
¬_________
(¬1) انظر: أيسر التفاسير لأسعد حومد (1/ 539) مرجع سابق.
(¬2) سورة البقرة الآية: (58 - 59).
(¬3) والحديث الذي يشير إليه ابن الجوزي هو حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: {قيل لبنى إسرائيل: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} , فدخلوا يزحفون على أستاههم, فبدّلوا وقالوا: حطة, حبة في شعرة} أخرجه البخاري, كتاب تفسير القرآن, باب قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} (4/ 1627) برقم: (4209) مرجع سابق.
(¬4) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي - رضي الله عنه -، أبو عبد الرحمن، صحابي جليل، من السابقين إلى الإسلام مات سنة (32 هـ). انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 987) مرجع سابق، وأسد الغابة (3/ 394) مرجع سابق، والإصابة في تمييز الصحابة (4/ 233) مرجع سابق.
(¬5) انظر: زاد المسير في علم التفسير (1/ 8687) مرجع سابق.

الصفحة 229