كتاب الخلاصة في تدبر القرآن الكريم

النوع التاسع: تدبره من أجل الامتثال له، والعمل بما فيه من الأوامر، واجتناب النواهي:
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - في بيان المراد بقوله تعالى: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} (البقرة: 121)؛ قال: «والذي نفسي بيده، إنَّ حَقَّ تلاوته أن يُحِلَّ حلاله، ويُحرِّم حرامه، ويقرأَه كما أنزله الله» (¬1).
وعن عكرمة: «يَتَّبِعُونه حَقَّ اتِّباعِه باتِّبَاعِ الأمر والنهي؛ فَيُحِلُّون حلاله، ويُحَرِّمُون حرامه، ويعملون بما تضمنه» (¬2).
وقال الحسن: «إن هذا القرآن قد قرأه عَبيدٌ وصبيانٌ لا علم لهم بتأويله، وما تَدبُّر آياته إلا باتباعه، وما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده؛ حتى إن أحدهم ليقول: لقد قرأتُ القرآن فما أسقطتُ منه حرفًا، وقد- والله- أسقطه كله، ما يُرى القرآن له في خُلق ولا عمل؛ حتى إن أحدهم ليقول: إني لأقرأ السورة في نَفَس! والله ما هؤلاء بالقُّرَّاء ولا العلماء ولا الحُكَماء ولا الوَرَعَة، متى كان القُرَّاء مثل هذا؟ ! لا كَثَّر الله في الناس أمثالهم» (¬3).
¬_________
(¬1) رواه ابن وهب (كما في تفسير القرآن من الجامع لابن وهب ص: 23)، وابن جرير في تفسيره (2/ 567، 569). وينظر: تفسير ابن كثير (1/ 403).
(¬2) رواه الطبري في تفسيره (2/ 566) بنحوه مختصرًا.
(¬3) رواه سعيد بن منصور (135 التفسير)، وابن المبارك في الزهد (793)، وعبد الرزاق في المصنف (5984)، وأبو عبيد في فضائل القرآن (371)، وابن نصر في قيام الليل (المختصر ص: 76 - 77)، والفريابي في فضائل القرآن (177)، والآجري في أخلاق أهل القرآن (34)، والخطيب في اقتضاء العلم العمل (180)، والبيهقي في الشعب (2408).

الصفحة 34