كتاب الخلاصة في تدبر القرآن الكريم

ولده كل خير في الدنيا والآخرة» (¬1)، «وكان القرآن له شفاء، فاستغنى بلا مال، وعزَّ بلا عشيرة، وأنس مما يستوحش منه غيره، وكان همُّه عند التلاوة للسورة إذا افتتحها: متى أتعظ بما أتلوه؟ ! ولم يكن مراده: متى أختم السورة؟ ! وإنما مراده: متى أعقل عن الله الخطاب؟ ! متى أزدجر، متى أعتبر؟ ! لأن تلاوة القرآن عبادة لا تكون بغفلة» (¬2).
فالمسلم «يتصفح القرآن ليُؤدِّب به نفسه، هِمَّتُه: متى أكون من المتقين؟ ! متى أكون من الخاشعين؟ ! متى أكون من الصابرين؟ ! متى أزهد في الدنيا؟ ! متى أنهى نفسي عن الهوى؟ ! » (¬3).
قال يزيد بن الكُميت - رحمه الله -: «قرأ بنا علي بن الحسين المُؤَذِّن في عشاء الآخرة: {إِذَا زُلْزِلَتِ}، وأبو حنيفة خلفه، فلما قضى الصلاة وخرج الناس، نظرت إلى أبي حنيفة وهو جالس يُفَكِّر ويتنفس، فقلت: أقوم لا يشتغل قلبه بي، وقد طلع الفجر وهو قائم قد أخذ بلحية نفسه وهو يقول: يا من يجزي بمثقال ذَرَّةِ خَيرٍ خيرًا، ويا من يجزي بمثقال ذَرَّةِ شَرٍّ شرًّا، أجِرِ النعمان عبدَك من النار، وما يُقَرِّب منها من السوء، وأدخله في سعة رحمتك.
قال: فَأَذَّنْتُ، فإذا القنديل يَزْهَر وهو قائم، فلما دخلت، قال: تريد أن تأخذ القنديل؟ قلت: قد أَذَّنْتُ لصلاة الغداة، قال: اكتم عليَّ ما رأيت» (¬4).
¬_________
(¬1) أخلاق حملة القرآن ص: 25.
(¬2) السابق ص: 9.
(¬3) السابق ص: 22 بتصرف.
(¬4) تاريخ بغداد (15/ 487).

الصفحة 71