كتاب كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم (اسم الجزء: 1)

الكلام إنّما هو في زمان قرب العهد بالرسول وأصحابه، الذين كانوا مستغنين عن ذلك بسبب بركة صحبة النبي عليه الصلاة والسلام، ونزول الوحي، وقلة الوقائع والفتن بين المسلمين. وصرّح به السيد الشريف والعلّامة التفتازاني وغيره من المحققين المشهورين بالعدالة أنّ الاشتغال بالكلام في زماننا من فرائض الكفاية. وقال العلّامة التفتازاني: إنّما المنع لقاصر النّظر والمتعصّب في الدين.
وأما المذمومة ففي التاتارخانية: وأمّا علم السّحر والنيرنجات والطّلسمات وعلم النجوم ونحوها فهي علوم غير محمودة؛ وأمّا علم الفلسفة والهندسة فبعيد عن علم الآخرة، استخرج ذلك الذين استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة. وفي فتح المبين شرح الاربعين «1»: الحليمي «2» وغيره صرّحوا بجواز تعلّم الفلسفة وفروعها من الإلهي والطبعي «3» والرياضي ليردّ على أهلها ويدفع شرّهم عن الشريعة، فيكون من باب إعداد العدة.
وفي السراجية: تعلّم النجوم قدر ما تعرف به مواقيت الصلاة والقبلة لا بأس به. وفي الخانية «4»:
وما سواه حرام. وفي الخلاصة «5»: والزيادة حرام. وفي المدارك «6» في تفسير قوله تعالى: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ، فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ «7» قالوا علم النجوم كان حقا، ثم نسخ الاشتغال بمعرفته انتهى.
وفي البيضاوي «8»: فنظر نظرة في النجوم، أي فرأى مواقعها واتصالاتها، أو في علمها، أو في كتابها، ولا منع منه، انتهى.
وفي التفسير الكبير «9»: في هذا المقام إن «10» قيل النظر في علم النجوم غير جائز فكيف أقدم عليه ابراهيم عليه السلام؟ قلنا: لا نسلّم أنّ النظر في علم النجوم والاستدلال بمعانيها حرام، وذلك لأنّ من اعتقد أنّ الله تعالى خصّ كلّ واحد من هذه الكواكب بقوة وخاصية، لأجلها يظهر منه أثر
__________
(1) فتح المبين في شرح الأربعين (أي الاربعين النووية) لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي (- 974 هـ)، القاهرة، المطبعة الميمنية، 1307 هـ. معجم المطبوعات 84، اكتفاء القنوع 132، Gals ,II 825.
(2) الحليمي هو الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم الجرجاني، ولد بجرجان عام 338 هـ/ 950 م وتوفي ببخارى عام 403 هـ/ 1012 م. فقيه شافعي، قاض ومحدث له بعض التصانيف الاعلام 2/ 235، الرسالة المستطرفة 44.
(3) الطبيعي (م).
(4) الفتاوى الخانية أو التاتارخانية.
(5) خلاصة الفتاوى لطاهر بن أحمد بن عبد الرشيد البخاري (- 542 هـ)، كشف الظنون 1/ 717.
(6) مدارك التنزيل وحقائق التأويل ويعرف بتفسير النسفي لأبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي (- 710 هـ). بومباي، 1279 هـ، معجم المطبوعات 1853، اكتفاء القنوع 117.
(7) الصافات/ 88 - 89.
(8) أنوار التنزيل وأسرار التأويل أو تفسير البيضاوي لعبد الله بن عمر بن محمد بن علي ناصر الدين البيضاوي (- 685 هـ) اعتمد فيه على الكشاف، وعلى التفسير الكبير للرازي. نشره H .P .Fleisher في سبعة أجزاء بمجلدين في Leipzig سنة 1844 م كما وضع W .Fell فهرسا وافيا طبع في المدينة نفسها سنة 1878 م. معجم المطبوعات 617، اكتفاء القنوع 114.
(9) التفسير الكبير مفاتيح الغيب المشهور بالتفسير الكبير لأبي عبد الله محمد بن عمر بن الحسين الرازي (- 606 هـ/ 1209 م)، بولاق 1279 - 1289، معجم المطبوعات العربية 917، اكتفاء القنوع 115.
(10) إنه إن (م).

الصفحة 67