كتاب قصص من التاريخ

هذه هي المواد الأولية للتاريخ، وليست هي التاريخ، لأن تاريخنا لم يُكتب. ولا بد من تنقيتها أولاً، ثم ترتيبها، ثم إدخالها المصنع لتصير حينئذ تاريخاً، وإنها على ما هي عليه مخلوط فيها السم بالدسم والقطن بالبرسيم.
وإن علمنا كان يعتمد على الرواية، والرواية تقوم على معرفة الرجال. والطبري (وغير الطبري) حين يذكر أن الخبر مروي عن فلان وفلان يُسقط التبعة عنه ويلقيها عليك، وعليك أنت أن تعرف الكاذب من الصادق من الرواة لتعرف الصحيح من الباطل من الأخبار، فإن لم تعرفه حفظاً عرفته مراجعة.
ومن هنا يتبين أن الباحث الذي يذيّل بحثه بذكر صفحات الطبري (الطبري، صفحة كذا) مقرٌّ على نفسه بأنه حاطب ليل لا يدري ما يأخذ وما يدع (¬1)، وأنه هو الذي يسميه علماؤنا «المقمّش»!
ولذلك كان الاعتماد الأول على رواية المحدثين. ورواية المحدثين لها درجات؛ منها الرواية المتواترة الثابتة، والمشهورة، والعزيزة، والصحيحة، والحسنة، والضعيفة. ولها من جهة إسنادها درجات؛ منها المسندة، والموقوفة، والمرسلة، والمنقطعة، والمعضلة.
¬__________
(¬1) فكيف بمن يجعل مستنده كتاب «الأغاني»؟ وهو كتاب أدب ومحاضرة لا نظير له لكن لا يُعتمد عليه ولا يروى عنه لأن أبا الفرج معروف بالكذب والوضع، وهو فاسد السيرة بعيد عن العدالة، وهو -فوق ذلك- شيعي المذهب رغم أنه أموي النسب (وهذا من العجائب).

الصفحة 16