كتاب قلائد العقيان في محاسن الرؤساء والقضاة والكتاب والأدباء والأعيان

بكينا دماً حتّى كانّ عيوننا ... بجري الدموع الحمر منها جراحاتُ
وقد زارتني هذه الليلة في مضجعي، وأبرأتني من توجعي، ومكنتني من رضابها، وفتنتني بدلالها وخضابها، فقلت: طويل
أباح لطيفي طيفها الخدّ والنهدا ... فعضّ به تفّاحة واجتنى وردا
ولو قدرت زارت على حال يقظة ... ولكنْ حجابُ البين ما بيننا مدَّا
أما وجدت عنّا الشجونُ معرّجا ... ولا وجدت منّا خطوبُ النوى بدَّا
سقى اللهُ صوب القطر أمّ عبيدة ... كما قد سقت قلبي على حرّة بردا
هي الظبيُ جيداً والغزالةُ مقلةً ... وروض الربا عرفاً وغصن النقا قدّا
فكرر استجادته، وأكثر استعادته، فأسر له بخمسماية دينار لورقة من حينه، وأخبرني الوزير الفقيه أبو الحسن ابن سراج أنه حضر مع الوزراء، والكتاب بالزهراء، في يوم غفل عنه الدهر فلم يرمقه بطرف، ولم يطرقه بصرف، ارخت به المسرات عهدها، وأبرزت له الأماني خدها، وأرشفت فيه لماها، وأباحت للزائرين حماها، ومازالوا ينتقلون من قصر إلى قصر، ويبتذلون الغصون بجني وهصر، ويتوقلون في تلك الغرفات، ويتعاطون الكؤس بين تلك الشرفات، حتى استقروا بالروض من بعد ما قضوا من تلك الآثار اوطارا، وأوقروا بالاعتبار قطارا، فحلوا منه في درانيك ربيع مفوقة بالأزهار، مطرزة بالجداول والأنهار، والغصون تختال في أدواحها، وتنثني في أكف أرواحها، وآثار الديار قد أشرفت عليهم كثكالى ينحن على خرابها، وانقراض أطرابها، والوهي بمشيدها لاعب، وعلى كل جدار غراب ناعب، وقد محت الحوادث ضياءها، وقلصت ظلالها وأفياءها، وطالما أشرقت بالخلائق وابتهجت، وفاحت من شذاهم وارجت، أيام نزلوا خلالها، وتفيئوا ظلالها، وعمروا حدائقها وجناتها، ونبهوا الآمال من سناتها، وراعوا الليوث في آجامها، وأخجلوا الغيوث عند انسجامها، فأضحت ولها بالتداعي تلفع واعتجار، ولم يبق من آثارها إلا نوي وأحجار، وقد هوت قبابها، وهرم شبابها، وقد يلين الحديد، ويبلى على طيه الجديد، فبينما هم يتعاطونها صغاراً وكباراً، ويديرونها أنا واعتبارا، إذ برسول المعتمد قد وافاهم برقعة فيها: خفيف

حسد القصر فيكمُ الزهراءَ ... ولعمري وعمركم ما أساءَ
قد طلعتم بها شموساً صباحاً ... فاطلعوا عندنا بدورا مساءَ

الصفحة 10