كتاب قلائد العقيان في محاسن الرؤساء والقضاة والكتاب والأدباء والأعيان

منازل آسادٍ وبيض نواعم ... فناهيك عن غيلٍ وناهيك من حذرِ
وكم ليلةٍ قد بتّ أنعم جنحها ... بمخصبة الأرداف مجذبة الخصرِ
وبيض وسمر فاعلات بمهجتي ... فعال الصفاح البيض والاسل المسرِ
وليل بسدّ النهر لهواً قطعته ... بذات سوار مثل منعطف البدرِ
نصت بردها عن غصن بانٍ منَّعم ... نصيركما انشقَّ الكمام عن الزهرِ
وأخبرني ذخر الدولة ابن المعتضد أنه دخل عليه في ليلة قد ثنى السرور منامها، وامتطى الحبور غاربها وسنامها، وراع الأنس فوادها، وستر بياض الأماني سوادها، وغازل نسيم الروض زوارها وعوادها، ونور السرج قد قلص أذيالها، ومحا من لجين الأرض نبالها، والمجلس مكتس بالمعالي، وصوت المثاني والمثالث عال، والبدر قد كمل، والتحف بضوءه القصر واشتمل، وتزين بسناه وتجمل، فقال: "كامل"
ولقد شربت الراح يسطع نورها ... والليل قد مدَّ الظلام رداءَ
حتَّى تبدى البدر في جوزائه ... ملكاً تناهى بهجة وبهاءَ
لمّا أراد تنزّها في غربه ... جعل المظلّة فوقه الجوزاءَ
وتناهضت زهر النجوم يحفّه ... لألآؤها فاستكمل الآلآءَ
وترى الكواكب كالمواكب حوله ... رفعت ثريَّاها عليه لواءَ
وحكيته في الأرض بين مواكبٍ ... وكواعبٍ جمعت سنا وسناءَ
إن نشرت تلك الدروع حنادساً ... ملأت لنا هذي الكؤس ضياءَ
وإذا تغنّت هذه في مزهر ... لم تال تلك على التريك غناءَ
وأخبرني أبو بكر بن عيسى الداني المعروف بابن اللبانة أنه استدعاه ليلة إلى مجلس قد كساه الروض وشيه، وامتثل الدهر أمره فيه ونهيه، فسقاه الساقي وحياه، وسفر له الأنس عن مؤنق محياه، فقام للمعتمد مادحاً، وعلى دوحة تلك النعماء صادحاً، فاستجاد قوله، وأفاض عليه طوله، فصدر وقد امتلأت يداه، وغمره جوده ونداه، فلما حل بمنزلة وافاه رسوله بقطيع وكاس من بلار، وقد اترع بصرف العقار، ومعهما: "كامل"

جاءتك ليلاً في ثياب نهارِ ... من نورها وغلالةِ البلاَّرِ
كالمشتري قد لقَّ من مرّيخه ... غذ لفَّه في الماءِ جذوة نارِ

لطف الجمود لذا وذا فتألفا ... لم يلقَ ضدَّ ضدَّه بنفارِ
يتحيَّر الراءون في نعتيهما ... أصفاء ماءٍ أم صفاء دراري
وأخبرني ابن إقبال الدولة ابن مجاهد أنه كان عنده في يوم قد نشر من غيمه رداء ند، واسكب من قطرة ماء ورد، وأبدى من برقة لسان نار، وأظهر من قوس قزحه حنايا آس حفت بنرجس وجلنار، والروض قد نفث رياه، وبث الشكر لسقياه، فكتب إلى الطبيب أبي محمد المصري: "خفيف"

أيّها الصاحب الذي فارقت عي ... ني ونفسي منه السنا والسناءَ
نحن في المجلس الذي يهب الرا ... حة والسمع والغنا والغناءَ
نتعاطى التي تسمَّى من الل? ... ?ذة والرقّة الهوى والهواءَ
فأته تلفَ راحة ومحيا ... قدّ أعدّا لك الحيا والحياءَ
فوافاه والفى مجلسه قد اتعلت أباريقه أجيادها، وأقامت به خيل السرور طرادها، وأعطته الأماني انطباعها وانقيادها، وأهدت الدنيا ليومه مواسمها وأعيادها، وخلعت عليه الشمس شعاعها، ونشرت فيه الحدائق إيناعها، فأديرت الراح، وتعوطيت الأقداح، وخامر النفوس الابتهاج والارتياح، وأظهر المتعهد في إيناسه، ما استرق به نفوس جلاسه، ثم دعا بكبير، فشربه كالشمس غربت في ثبير، وعندما تناولها قام المصري ينشد أبياتاً تمثلها: "بسيط"

أشرب هنيئاً عليك التاج مرتفعاً ... بشاذ مهر ودع غمدان لليمنِ
فأنت اولى بتاج الملك تلبسه ... من هوذة بن عليّ وابن ذي يزنِ
فطرب حتى زحف من مجلسه، وأسرف في تأنسه، وأمر فخلعت عليه ثياب لا تصلح إلا للخلفاء، وأدناه حتى أجلسه مجلس الأكفاء، وأمر له بدنانير عدداً، وملأ بالمواهب منه يدا، وكان مجلس ذي الوزارتين أبي الوليد بن زيدون منحطاً عنة مجلسه في القعود لإنفاذ أوامر أبيه المعتضد فكتب إلا للخلفاء، وأدناه حتى أجلسه مجلس الأكفاء، وأمر له بدنانير عدداً، وملأ بالمواهب منه يدا، وكان مجلس ذي الوزارتين أبي الوليد بن زيدون منحطاً عنة مجلسه في القعود لإنفاذ أوامر أبيه المعتضد فكتب إليه: "رمل"

أيّها المنحطّ عنّي مجلساً ... وله في النفس أعلا مجلسِ
بفؤادي لك حبَّ يقتضي ... أن ترى تحمل فوق الأرؤسِ
فكتب إليه ابن زيدون مراجعاً: "رمل"

أسقيط الطلّ فوق النرجس ... ام نسيم الروض تحت الحندسِ
أم قريض جاءني من ملكٍ ... مالك بالبرّرقَّ الأنفسِ

الصفحة 6