كتاب كليلة ودمنة

مع صغر شأنك، وضعف منتك وعجز قوتك؟ ولقد أكثرت إعجابي من إقدامك علي، وتسلطك بلسانك فيما جاوزت فيه حدك. وما أجد شيئاً في تأديب غيرك أبلغ من التنكيل بك. فذلك عبرةٌ وموعظةٌ لكن عساه أن يبلغ ويروم ما رمت أنت من الملوك إذا أوسعوا لهم في مجالسهم. ثم أمر به أن يقتل ويصلب. فلما مضوا به فيما أمر، فكر فيما أمر به فأحجم عنه، ثم أمر بحبسه وتقييده. فلما حبس أنفذ في طلب تلاميذه ومن كان يجتمع إليه فهربوا في البلاد واعتصموا بجزائر البحار؛ فمكث بيدبا في محبسه أياماً لا يسأل الملك عنه، ولا يلتفت إليه؛ ولا يجسر أحدٌ أن يذكره عنده؛ حتى إذا كان ليلةٌ من الليالي سهد الملك سهداً شديداً؛ فطال سهده، ومد إلى الفلك بصره؛ وتفكر في تفلك الفلك وحركات الكواكب، فأغرق الفكر فيه؛ فسلك به إلى استنباط شيءٍ عرض له من أمور الفلك، والمسألة عنه. فذكر عند ذلك بيدبا، وتفكر فيما كلمه به؛

الصفحة 29