كتاب القول المفيد على كتاب التوحيد (اسم الجزء: 1)

……………………………………………………
قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] .
فإن قيل: كيف يتصور أن يكون الشيء محبوبا من وجه مكروها من وجه آخر؟
فيقال: هذا الإنسان المريض يعطى جرعة من الدواء مرة كريهة الرائحة واللون، فيشربها، وهو يكرهها لما فيها من المرارة واللون والرائحة، ويحبها لما فيها من الشفاء، وكذا الطبيب يكوي المريض بالحديدة المحماة على النار، ويتألم منها، فهذا الألم مكروه له من وجه، محبوب له من وجه آخر.
فإن قيل: لماذا لم يكن قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء: من الآية23] من باب القضاء القدري؟
أجيب: بأنه لا يمكن; إذ لو كان قضاء قدريا لعبد الناس كلهم ربهم، لكنه قضاء شرعي قد يقع وقد لا يقع.
والخطاب في الآية للنبي صلى الله عليه وسلم لكن قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء: من الآية23] ولم يقل: "أن لا تعبد"، ونظير ذلك في القرآن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: من الآية1] فالخطاب الأول للرسول صلى الله عليه وسلم والثاني عام، فما الفائدة من تغيير الأسلوب؟
أجيب: إن الفائدة من ذلك:
1. التنبيه؛ إذ تنبيه المخاطب أمر مطلوب للمتكلم، وهذا حاصل هنا بتغيير الأسلوب.
2. أن النبي صلى الله عليه وسلم زعيم أمته، والخطاب الموجه إليه موجه لجميع الأمة.

الصفحة 32