كتاب القول المفيد على كتاب التوحيد (اسم الجزء: 1)

ولا يدفع السيئات إلا أنت،..............................................
__________
وقوله: "اللهم". يعني: يا الله، ولهذا بنيت على الضم; لأن المنادى علم، بل هو أعلم الأعلام وأعرف المعارف على الإطلاق، والميم عوض عن يا المحذوفة، وصارت في آخر الكلمة تبركا بالابتداء باسم الله - سبحانه وتعالى -، وصارت ميما; لأنها تدل على الجمع; فكأن الداعي جمع قلبه على الله.
قوله: " لا يأتي بالحسنات إلا أنت "1 أي: لا يقدرها ولا يخلقها ولا يوجدها للعبد إلا الله وحده لا شريك له، وهذا لا ينافي أن تكون الحسنات بأسباب; لأن خالق هذه الأسباب هو الله، فإذا وجدت هذه الحسنات بأسباب خلقها الله; صار الموجد حقيقة هو الله.
والمراد بالحسنات: ما يستحسن المرء وقوعه، ويحسن في عينه. ويشمل ذلك الحسنات الشرعية; كالصلاة والزكاة وغيرها; لأنها تسر المؤمن، ويشمل الحسنات الدنيوية; كالمال والولد ونحوها، قال تعالى: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} 2 وقال تعالى في آية أخرى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} 3.
وقوله: إلا أنت: فاعل يأتي; لأن الاستثناء هنا مفرغ.
قوله: " ولا يدفع السيئات إلا أنت "4 السيئات: ما يسوء المرء وقوعه وينفر منه حالا أو مآلا، ولا يدفعها إلا الله، ولهذا إذا أصيب الإنسان بمصيبة التجأ إلى ربه تعالى، حتى المشركون إذا ركبوا في الفلك، وشاهدوا الغرق; دعوا الله مخلصين له الدين. ولا ينافي هذا أن يكون دفعها بأسباب; فمثلا لو رأى رجلا غريقا، فأنقذه; فإنما أنقذه بمشيئة الله، ولو شاء الله لم ينقذه; فالسبب من الله. فعقيدة كل مسلم أنه لا يأتي بالحسنات إلا الله، ولا يدفع السيئات إلا الله، وبمقتضى هذه
__________
1 أبو داود: الطب (3919) .
2 سورة التوبة آية: 50.
3 سورة آل عمران آية: 120.
4 أبو داود: الطب (3919) .

الصفحة 572