كتاب القول المفيد على كتاب التوحيد (اسم الجزء: 1)

وروح منه، والجنة حق، والنار حق،......................................
__________
قوله: {وَرُوحٌ مِنْهُ} أي: صار جسده عليه السلام بالكلمة، فنفخت فيه هذه الروح التي هي من الله، أي: خلق من مخلوقاته أضيفت إليه تعالى للتشريف والتكريم.
وعيسى عليه السلام ليس روحا، بل جسد ذو روح، قال الله تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} 1 فبالنفخ صار جسدا، وبالروح صار جسدا وروحا.
وقوله: "منه": هذه هي التي ضل بها النصارى، فظنوا أنه جزء من الله، فضلوا وأضلوا كثيرا، ولكننا نقول: إن الله قد أعمى بصائركم، {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} ، فمن المعلوم أن عيسى عليه السلام كان يأكل الطعام، وهذا شيء معروف، ومن المعلوم أيضا أن واليهود يقولون: إنهم صلبوه، وهل يمكن لمن كان جزءا من الرب أن ينفصل عن الرب ويأكل، ويشرب ويدعى أنه قتل وصلب؟ وعلى هذا تكون "من" للابتداء، وليست للتبعيض، فهي كقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} 2 فلا يمكن أن نقول: إن الشمس والقمر والأنهار جزء من الله وهذا لم يقل به أحد.
فقوله: "منه"; أي: روح صادرة من الله- عز وجل-، وليست جزء من الله كما تزعم النصارى.
واعلم أن ما أضافه الله إلى نفسه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: العين قائمة بنفسها، وإضافتها إليه من باب إضافة المخلوق
__________
1 سورة المائدة آية: 75.
2 سورة الجاثية آية: 13.

الصفحة 74