كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

وفنون، وفتنت بتلك القدود التي أطرقت منها في الرياض الخصون:
وُجُوٌه في قُدُودٍ مائساتٍ ... بأفنان الجمال لها فُنُونُ
فما رِفْقٌ لهُنَّ بذي غرامٍ ... به احتفلتْ من الوَجْد الظُنُونُ
فقيل به خبال مُسْتَمرٌّ ... وقيل أصابه سحْر مبينُ
وقال العارفون ببعض حالي ... هوى هذا وليس به جُنُونُ
ومعذورٌ إذا ما ماتَ وَجْداً ... على الأقمار تحملها الغُصُونُ
فنظرت إليهم وأطلت النظر، وقد سلبني الهوى ما كان عندي من الثبات والحذر، ونسيت ما تجلبه العين على الفؤاد، وجهلت ما يقاسيه العاشق من رعي السها والسهاد، ولم أخل أن العين للقلب عدو، وأنها تسلبه القرار وتمنعه الهدو:
تمتَّعتُمَا يا مُقلَتَيَّ بنظرةٍ ... فأوردتُما قلبي أمرَّ الموارد
أعيناي كُفَّا عن قتالي فانه ... من البغي سعي اثنين في قتل واحدٍ
فبدا لي بينهم ظبي كأنه بدرٌّ سافر، أو غزال نافر، فاقهم حُسناً وظرفاً، وفاتهم رشاقة ولطفاً، قد تقمَّص بالحسن وارتدى بالجمال، وتسربل بالغُنج وتمنطق بالدلال، إن تبدَّى أنكرت البدر في تمامه، أو تثنَّى لم تعرف الغصن من قوامه، أو رنا لم تدرِ أسحرٌ يدا أم نصالُ؟! أو التفت لن تذكرَ بعدها جيدَ الغزال، قد أسهر العاشق بطرفه

الصفحة 15