كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

ألا ليقُلْ من شاء ما شاء إنَّما ... يُلامُ الفتى فيما استطاع من الأمرِ
قضى اللهُ حُبَّ المالكَّيةِ فاصطبر ... عليه فقد تجري الأمور علىْ القَدرِ
فدنوت منهم وقد عقد الهوى لساني، وقيد الحب والغرام جناني، وأجرى الوجد دمعي كالمطر، وأسلمني حالي إلى الأسى والسهر، وأنحل العشق جسمي فسار مع النسيم، وصرت مع صاحبي ودمعي بين صديق وحميم.
وقلت: حيا الله هذه الشمائل الحسان، والقدود التي تغار منها موائد الأغصان، والوجوه التي هي بماء الحسن نواضر، والنواظر التي هي شرك النفوس وقيد الخواطر، أما ترثون لصب مستهام، وأسير في قيود الوجد والغرام، وقتيل بالعيون الوقاح، وطعين بالقدود التي هي الرماح، وصريع بمدام المراشف، ولديغ من عقارب السَّوالف.
تملكت العُيُون فؤاده، وذاَدت عن الجفن رقاده، وتركته ذا وجد دائب وقلب ذائب، وسرًَّ مصُان وعقل صائب، وصبر فان، ورأس شائب، ودمع قانٍ، ولون شاحب، هجر الرقاد وكان من أهله، وعدم القرار لذهاب عقله، وترك المناصب وكان من أهلها، ووقع في المصائب أدقها وأجلها.
يقاسي زفرات الأنات والعويل، ويعرضُ نفسه للهم العريض الطويل، ويسامر النجوم السائرات، ويساور الهموم والحسرات:

الصفحة 17