كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

وأهنتها ولم تكن تعرف الإهانة؟!
وعلام أرخيت رسنها في ميدان الهوى والهوان، وأعطيتها من طلق الخلاعة فاضل العناء والعنان؟!
كيف نسيت المواعظ التي كنت للناس توردها، والحكم التي كنت تنشدها طوراً وتنجدها؟!
فهل صدقت بدواعي الهوى التي كنت تستبعدها، وهل استعبدتك نفس ما برحت تستعبدها؟!
أين مواعظك في كف النظر وإطالته؟! وزواجرك في غض البصر وإجالته؟!
أين تحذيرك من العشق ودواهيه؟! وأين تخويفك من الحب ودواعيه؟!
أين ازدراؤك بالتيم وسقامه؟! أين استهزاؤك بالصب وهيامه؟!
فسقت إلى نفسك بالنظر إلينا تعبا، وحملتها على رغمك وزعمك هماً ونصبا، أما علمت أن قتيل الهوى لا قود على قاتله، ولا حرج على متعمده وفاعله، وأن ثأره
لا يطلب، وفاعله لا يدرك ولا يغلب؟! ألم يقل إمامك الشافعي - رضي الله تعالى عنه - في تهويل هذا المقام والتحذير منه:
خُذُوا بدمي هذا الغزالَ فإنَّه ... رماني بسَهمَيْ مُقلَتَيْه على عَمْدِ
ولا تقتلوهُ إنَّني أنا عبدُهُ ... وفي مذهبي لا يُقتَلُ الحُرُّ بالعبدِ؟!
فقلت له: هذا قدر الله وما شاء فعل، وهذا قضاؤهُ السابق فلا يرد بالحول ولا بالحبل، فانظر إلي بعين الشفقة والرحمة، واجبر كسر قلبي منك بضمة، ولا تتركني مثلاً في البرية، ولا لاحقاً بوحوش البرية.
فتبسم عن ثنايا فضح رونقها عقود الدرر، ورمقني بلحظ يفتن الحور بالحور، وقال: أعندك بالله من المحبة كما ذكرت، ومن التتيم ما أنهيت

الصفحة 20