كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

تبعتُ الذي يُرضيكَ في كُلَّ حالةٍ ... وإنْ كنتَ لم تبصرْهُ فاللهُ يُبصرُ
فواللهِ ما بعدي مُحبٌّ ومُشفق ... وسوف إذا جرَّبتَ غيري تذكرُ
فما شئتَ من أمر فسمعاً وطاعة ... فما تمَّ إلا ما تُحبُّ وتأمرُ
عليَّ بأنَيّ لا أخلُّ بخدمتي ... وأبذلُ مجهودي وأنتَ الُمخيَّرُ
فتبسم عجباً، وتثنى طرباً، وقال: إن صدقت دعواك في محبتنا، وصحت أقوالك
في مودتنا، فلا تحل عن المحبة الصادقة، ولا تشم للسلو بارقة، ومت على تلك المحبة وابعث، فإنها ألطف لشمائلك وأدمث، وليكن لك في موت هوى الجميل الجميلة، فالموت لابد منه وما الردى حيلة:
مُتْ راشداً ولك الجميلةُ في الهوى ... فالموت في غير الهوى لا يحسنُ
(إن الغرامَ هو الحياةُ فعش بهِ ... عيشاً هنيَّاً أنتَ فيه محسنُ)
فقلت له: اُقسمُ بقدِّكَ الأهيف النضير، وجبينك المشرق المنير، وطرفك الفاتن الفاتر، ولحظك الساجي الساحر، وشعرك السود الحالك، وصدغك الأرقم الفاتك، وخدك الأحمر الناعم، وثغرك الأشنب الباسم، وريقك المستعذب الصافي، وحسنك الوافر الوافي.
ورد خدك الجنيّ، ونرجس لحظك البابلي، ودرُّ ثغرك اليتيم، وغصن قدك القويم، ورقة خصرك السقيم النحيل، ودَص ردفك الثقيل، وذل مصارع العشاق، وحل سحر مواقع الأحداق، وزورتك التي من غير كلفه ولا ميعاد، وطيب ما أودعت من الهوى في صحيح الفؤاد، لا حلت عن المحبة في الحياة ولا بعد الموت، ولا رجعت عن الوداد ولا سَلَوْت:

الصفحة 23