كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

شرحه فلا يوصف ولا يحد.
وقلت له: أما ترثي لصب دمعه مثل اسمه، وقد جرى على شرحه وعادته ورسمه، وقد صار السلو أوفر سقمه.
فقال: لا تشك لي سائل دمعك، فما لي طاقة برد سائل، ولا تشرح لي شرح حبك، فهو شرح طويل وليس تحته طائل، وليكن لك في فوت هو جميل الحب جميل، فما لي برد التسلي سبيل.
فلما كسر قلبي بهذه المقالة، وأسمعني مختصر الشرح خوف الإطالة، نكست رأسي مكمداً، وصعدت أنفاسي منشداً:
أَقُولُ لهُ أمَا تَرِثي لَخدَّي ... وتسمعُ مِنْ دُمُوعي ما تقولُ
وتُبصِرُ ما جَرى مِنْها عليهِ ... لأَجْلِكَ قال ذا شَرْحٌ يطولُ
فنظر إلي نظرة المحب الشفوق، ولاحظني ملاحظة الصديق الصدوق، وقال: ما الذي يبكيك وأنا بين يديك حاضر؟! وما الذي يشجيك وأنا لك منادم ومسامر؟! ما الذي يقلقك وأنا محدثك ومناجيك؟! وما الذي يحزنك وأنا تحت أوامرك ونواهيك؟!
فقلت: والله ما أبكاني وأودى بي وآذاني، إلا ما تحققه من الفراق الداني، فأبكي وأنت حاضر ومقيم، لأنني بالذي يصنع الفراق عليم:
في كُلّ يوم لأرباب الهوى شانُ ... وَجْدٌ وشوقٌ وتبريحٌ وأشجانُ
دُمُوعهم كالغوادي وهي سائلةٌ ... وفي حشاشتهم للحُبَّ نيرانُ
يبكون في الوصل خوف الهجر من شَفَقٍ ... فَكُلُّ أوقاتهم هَمّ وأحزانُ

الصفحة 25