كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

ويا ليتَ عيني تعرف النَّوم بعدكم ... عساها بطيف منكمُ تتألَّفُ
قفوا زوَّدوني إنْ مَنَنْتُم بنظرة ... تُعَلّلُ قلباً كاد بالبين يتلفُ
تعالوا بنا نسرق من العمر ساعة ... فنجني ثمار الأنس فيها ونقطفُ
وإنْ كنُتمُ تلقون في ذاك كلفةً ... ذروني أُمِتْ وَجْدَاً ولا تتكلَّفوا
فقلت: ما أقرب ما بين الوداع واللقاء، وما أقصر ما بين النعيم والشفاء، وافى الحبيب ونشره يتضوع، ثم سرى بقلبي إذ سار وما سلم حتى ودع:
وكنتُ كالُمتمنّي أنْ يرى فلقاً ... من الصَّباح فلمَّا أنْ رآه عُمِي
فقال: إني أود أن أكون بخدمتك مقاماً ورحيلا، ولا أتخذ غيرك صاحباً وخليلاً، ولكن؛ لا حيلة لي في رد القضا، ومن ذا الذي أعطاه دهره الرضى، ومن عادة الدهر عكس المرام والمراد، وإظهار العناء والعناد:
يا دهرُ ما للمرء طبعُ حديدة ... فارفقُ به فالمرءُ مِنْ فَخَّارِ
ولكن؛ اجعل لي ولك موعداً نجلو به الغم والهم، ووقتاً آتيك به سعياً على الرأس لا سعياً على القدم.
فقلت له وقد أرسل فرط غرامه من طرفي الدمع المدرار، وعدم قلبي الجلد والاصطبار: قد سلبت مني بهذا القول قلباً وعقلاً، فعد أنت، فالوعد منك أعذب وأحلى.
فقال: ميعادنا يوم السبت بهذا المكان، وبالله التوفيق والمستعان، ثم شرع في أسباب التهيؤ للرحيل، ودموع العين تسيح وتسيل.
فقلت له: بالله اصدق الوعد في العود والإياب، ولا تدعني أظل أشكو، فمثلك لا يشكي ولا يعاب:

الصفحة 30