كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

وتناحل، وردفه قد تخارج وتثاقل.
وقال: ميعادنا اليوم المذكور بهذا المكان، وركض جواده حتى غاب عن العيان، فرحل بمهجة ختم عليها وخيم فيها، وعوض العين عن الكرى فيض مآقيها:
أيا مَنْ غاب عن عيني منامي ... لغيبته ووصلني سقامي
رحلتَ بمُهجةٍ خيَّمت فيها ... وشأن التُّرك ترحَلُ بالخيامِ
فحين ولى، غادر في القلب ناراً لا يخبو زفيرها، لا يفتر وقدها وسعيرها، فيا لله ما أقرب ما بين الراحة والتعب، وأقصر ما بين اللذة والنصب:
ومضى وخلَّف في فُؤادي لوعةً ... تَرَكَتْهُ موقوفاً على أوجاعهِ
لم أستتمَّ عناقه لقُدُمه ... حتَّى ابتدأتُ عناقه لوداعهِ
فلم يكن إلا بمقدار ما غاب عن عياني، حتَّى أظلم على مكاني، وحال قلبي وحار، وسال دمعي وسار، وبقيت باهتاً أبكي وأنوح، حائراً كيف أغدو وأروح، وفاضت من عيني عيون، واعتراني ذهول وجنون:
ولقيتُ في حُبَّبْكَ ما لمْ يلقَهُ ... في حبِّ ليلى قيسُها المجنونُ
لكنني لمْ أتَّبع وحش الفلا ... كفعال قيس والجُنُون فُنُونُ
فبينما أنا في تلك الحالة الحائلة، وقلبي مذعور وعيني حائلة، أستنجد بالدموع فتأتي ولا تأبى، وأرسل الأشجان إلى الأجفان فتسلبها المنام سلباً، أقول لقلبي استعد للأحزان والأشجان، وللدمع اجر فلمثل هذا اليوم صنتك في الأجفان:

الصفحة 32