كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

ولا أسلو هواه ولو وسدت في القبر، وقد شكا الناس قبلي ألم البعد والفراق، وقاسوا عظيم الوجد والاحتراق، ولكن؛ لمثل حبي ما مشيت ولا سعيتُ، ويمثل وجدي لا سمعت ولا رأيتُ:
شكا ألمَ الفراق النَّاسُ قبلي ... ورُوِّعَ بالهوى حيٌّ ومَيْتُ
وأمَّا مِثْلُ ما ضمَّتْ ضُلُوعِي ... فأنِّي لا سَمِعْتُ ولا رأيتُ
فقال: قم أيها المغرور المقهور، والمأسور المعذور.
فسرت معه إلى الدار، وأنا أستنجد الدموع الغزار، وأسكن القلب (وهو لا يسكن) ولا يطمئن، وأعلله (بالوصال وهو لا يتعلل) ولا يستكن، وصاحبي يصبرني وأنا لا أصغي سمعاً، ويذلني ودموعي تذرف سبعاً سبعاً، وأقول له: لا تتعب، فقلبي معلق بتلك العلائق، ولا تعتب، فنومي وعقلي وصبري طالق وطالق وطالق:
ومُصبِّرِ للقلب قلتُ له فهل ... صبر لمَنْ عنه الحبيب يغيبُ
والله إنَّ الشَّهد بعد فراقه ... ما طابَ لي فالصَّبر كيف يطيبُ؟!
ولم أزل أرسب في الفكر وأعوم، وأقعد في الوجد وأقوم، وأعاني من الولوع عظائم الزفرات، وأقاسي من الدموع سحائب العبرات، وصاحبي يعذلني ويلحاني، ويعوذني مما اعتراني، وأنا لا أرتجع ولا ألتوي، ولا أرتدع ولا أرعوي، بل أقول له سلم لي قيادي في العشق والغرام، ولا تعترض علي في اللوعة والهيام:
للعاشقين بأحكام الغرام رضَى ... فلا تكن يا فتى بالعَذْلِ مُعترِضا

الصفحة 35