كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

محال، ومن عدم الكرى كيف يأنس بالطيف؟! ومن سلب المنام فأني يطرق للطيف ضيف؟!
فلا أعاتب الأحباب في منع خيالهم الناشز، لعلمي بما بين الكرى وعيني من المفاوز، فلقد بعد عهدها بلذيذ المنام وطيب الكرى، وقد كفى ما همل منها على الخدين وجرى:
أأحْبَابَنَا إنْ فَرَّقَ الدَّهرُ بيننا ... وغَّركم من بعد قُربِكُم البُعْدُ
فلا تبعثوا طيفَ الخيالِ مُسلِّماً ... فما لجُفُوني بالكَرَى بعدكم عَهْدُ
فلقد كفاني حزناً عدم اللذات إلا بالفكر والتخييل، وعدم استزارة العين الطيف لاشتغالها بالدمع المديد والسهر الطويل، ولو حصل نوم وأتاني طيف لقاسيت منه الخطب (الجلي) الجليل، فقد حصل من الفراق أولاً ما منعني من استزارة الطيف الكريم البخيل:
كفى حُزناً أنْ لا أُراقب لمحةً ... ولا أنظرَ اللَّذَّاتِ إلا تخيُّلا
ولا أستزيرُ الطُّيفَ خوفَ فراقِهِ ... لما ذقتُ من طعم التَّفرُّق أولا
وأقسِمُ لو جادَ الخيالُ بزورةٍ ... لصادفَ بابَ الجَفْنِ بالفَتْحِ مُقْفَلا
وما زلت أعاني القلق والسهر، وأكابد الأحزان والفكر، حتى برق عمود الصباح، وأعلن الداعي بحي على الفلاح، وظهرت بشائر الصبح الوسيم، وولى ونجي الليل وهو هزيم،

الصفحة 38