كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

تجمَّع الحُسْنُ فيه وهُو منُفرِدٌ ... بين البريَّة جَلَّ الخالقُ الباري
فقال لي صاحبي: قد رأينا من عشق وكتم، وأحب وتهتك، وهوى وألم، أنت قد أتعبت نفسك فيما لا يفيدك، وأردت من لا يحبك ولا يريدك، فإن كان بك جنون فخبرني، أو عشق فلا تكتم عني.
فقلت: إني لأحسد والله من يجتمع شمله بأحبابه، ويرقد مع محبوبه بعد إشعاله شموعه وإغلاق بابه، حتى تراني أحسد احتباك الثريا في السما، وأتواجد على الزمان إذ جعل وجوده عدما:
خليليَّ إنِّي للثُّريا الحاسِدُ ... وإنِّي على ريب الزَّمان لواجدُ
أيبقى جميعاً شملها وهي ستَّةٌ ... وأفقد من أحببتُهُ وهُو واحدُ؟!
ومازلت على مثل هذا الحال، من تواتر الحرق وتزايد البلبال، وقطع مسافة الليالي والأيام، واستبطاء ساعاتها التي هي أطول من القرون فضلاً عن الأعوام، أقاسي كل ساعة أطول من الحول، وأقتل نفسي حتى عدمت الجلد والقوة والحول، وأنتظر رحلة الأيام والليالي، وأنا أعظم من حر المقالي.
إلى أن دنا وقت الميعاد، وأطل يومه أو كاد، فبت تلك الليلة التي تسفر عن صباحه الأنور، وتنفس من نفحات الحبيب عن نفحات المسك الأذفر، أراقب النجوم وهي واقفة لا تتقلقل،

الصفحة 41