كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

وأشاهد الفلك وقد عطل من المدار فلا يتخلخل، وكان النجوم عيون طرقها الأرق والسهاد، وجفا أجفانها لذيذ الكرى والرقاد، وكان الكواكب شمع وقد وقد، والقطب إليها شاخص للرصد، وتراها مجتمعة ثابتة لا يزول اجتماعها وثباتها، وكأنها زهر روضة أريضة فاح زهرها ونباتها، فأي كوكب نظرت إليه وجدته مقيما لا يبرح عن مكانه، ومستقرأ لا يغرب ولا يعزب عن إخوانه، والثريا كأنها راحة تشبر الظلام، لا يزول بقيسها مسافة شهور، بل أعوام.
فكيف يرجى لليل العاشق بهذا الشرط زوال، وكيف لا يتمنى الوامق إشراق الغزالة لميعاد الغزال:
ألا رُبَّ ليل بتُّ أرعى نُجُومه ... فلا النَّوم وافاني ولا الجَفْن أغمضَا
كانَّ الثُّريَّا راحةٌ تشبر الدُّجى ... لتعلم طالَ اللَّيل لي أم تعرَّضَا
عجبتُ لليلٍ بين شرقٍ ومغربٍ ... يُقاس بشبرٍ كيف يُرجى له انقضَا
مع علمي بأن الصبع مات بليله الذي أظلم فيه وعسعس، وتحقق بأنه لو كان في قيد الحياة لكان تنفس:
لَّما رأيتُ النّجمَ ساهٍ طرفُهُ ... والقُطْبُ قد ألقى عليهِ سُباتا
وبنات نعشٍ في الحدادِ سوافِراً ... أيقنت أن صباحَهُم قَدْ ماتا
فبعداً لها من ليلة طال أمد عمرها، وأريت على شهرها وحولها

الصفحة 42