كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

ودهرها، وشكراً لها إذا كان يومها موعداً للوصال والهنا، وسلماً إلى بلوغ الآمال والمنى.
فلم أزل أحييها وجداً وغراماً، وتميتني تذكراً وهياماً، إلى أن كاد الظلام يشف لونه الحالك، ويتبسم ثغر صبحه الضاحك، وبدت أعلام الصباح منشورة الرايات، وسطعت أنوار النهار منصورة الآيات، وأقبل الفجر مؤيداً منصوراً، وولى الليل مهزوماً ومكسوراً، وبدا صاحب الغزالة مشرق الأنوار، وفرق من شعاعها سبائك الذهب على سائر الأشجار:
كأنَّ شُعاعَ الشَّمسِ في كُلِّ غَدْوَةٍ ... على ورقِ الأشجارِ أوَّلُ طالعِ
دنانيرُ في كفِّ الأشلِّ يضمُّها ... لقبضٍ فتهوي من فُرُوج الأصابعِ
فنهضت أسابق رجح البصر، مسارعا إلى ميعاد ذلك القمر، واستصحبت معي ذلك الصديق الصادق، والرفيق المرافق.
فوصلنا إلى ميعاد جالب الأرق والهموم، وفاضح شمس النهار ولا أرضى أقول القمر فضلاً عن النجوم، وأنا أرسب في الفكر وأعوم، وقلبي يتململ ويتقلقل ويقعد
في الوجد ويقوم، فوصلنا إلى المنتزه الأنيق، والمحل الذي هو باللطافة والمحاسن خليق، فما وقفنا على عين ولا أثر، ولا ظفرنا بحس ولا خبر، بل الماء يجري ويتوجح بخريره، والنواعير تئن لنواح بلبله وشحروره.
فأجرى من النواحي نوح النواعير دمعي، فأطرقت للماء طرفي وأصغيت للدولاب سمعي، وأنا أتعجب من تلك

الصفحة 43