كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

فعهدك به قريب، واشف قلباً
ضاق به الفضاء الرحيب، وجفنا أغلقه البكاء والنحيب، وفي هذا اللفظ العجيب، والمعنى القريب:
مَنْ رآني قَبَّلْتُ عينَ رسولي ... ظنَّ أنَّ الرَّسول جاء بسولي
إنَّ عيناً تأمَّلتْ ذلك الوجهَ ... أحقُّ العُيُون بالتقّبيل
إنَّما حين قالَ أبصرتُ مأمون ... لَكَ قَبَّلْتُ مَنْ رأى مأمولي
نبئني ما الخبر؟ وأين النجم، بل القمر؟ وما فعل البدر وغصن النقاء؟ ومتى يدنو المزار ويحصل اللقاء؟ وما هذا الوجوم الذي يعتريك؟ وما الذي يضحكك تارة وتارة يبكيك؟ قل ولا تكتم فتيلا ولا نقيرا، وأعد حديثك، وكرره تكريرا:
كَرِّرْ حديَثكَ قد تَضَوَّعَ ريحُهُ ... مسكاً وطابَ على السَّماعِ صحيحُهُ
وأَعِدْهُ حَّتى يشتفي من طيبهِ ... مُضني الفُؤاد وصَبُّهُ وجريحة
وحديثُكَ المرفوعُ صِلهُ بمسمعي ... فعساه من ألم الفراق يُزيحُهُ
وعساه يقطع مُرسلاً من أدمعي ... ويزيلُ مُعضِل علَّتي وتريحُهُ
لو كنتَ تروي مُرسلاً من لوعتي ... لرويتَ منه ما يطولُ شُرُوحُهُ
إنَّي امرؤٌ في الحُبِّ فَرْدٌ شأنه ... قد مَسَّني وأضرَّني تبريحُهُ
خيَّم على الحُبَّ حَّتى أنَّني ... لخليلُهُ وكليمُهُ وذبيحة
فقال: توجهت من عندك إلى مكانه، فوجدته جالساً بين إخوانه، وأترابه الأتراك، الناصبين لمثلك شرك الأشراك، فعلم أني رسول منك إليه، فرمقني بطرفه وغمزني بعينيه، ففهمت المقصود فجلست ساكتاً، وبقيت في تلك المحاسن واللطافة باهتاً، فلم أتمكن من الكلام

الصفحة 48