كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

حين عادت فيه الروح، وقمت مبادراً له وإليه، واضعاً حر وجهي مكان قدميه:
وقمتُ أفرشُ خَدَّي في الطَّريق لهُ ... ذلاً وأسحبُ أذيالي على الأثَرِ
فهمت عند مشاهدة جماله، وقد شغلني حسنه عن السلام عليه وسؤاله، فوقفت مبهوتاً ذاهلاً، وقد أصبح دمعي باقلاً، فابتدرني بالترحيب والتسليم، وقابلني
بالتبجيل والتعظيم:
وحَّيا ثُمَّ لاحظني دلالاً ... بوجهِ غزالةٍ وعُيُون ريمِ
غزالٌ كالصَّريم لهُ جبينُ ... يهيمُ بحُبُه قلبُ الصَّريمِ
لهُ قلبٌ كأنَّ الصَّخرَ منهُ ... ويحسدُ خصرهَ مَرٌّ النَّسيمِ
بَدِيعُ ملاحةٍ يصبو إليه ... بأوَّل لمحةٍ قلبُ الحكيمِ
لهُ خصرُ وطرفٌ مثل جسمي ... سَقيِمٌ في سقيمٍ في سقيمِ
ثم رمقني بطرفه الصحيح السقيم، وابتسم عن ثغر يفضح الدر النظيم، ثم شرع في تقبيل يدي بالإشارة، فسلبني بذلك فصيح اللفظ والعبارة.
فقلت لهُ: لقد أضحى غرامي فيك لي غريماً، وأمسى قلبي وحزني ظاعناً ومقيماً:
غرامي فيكَ قد أضحى غريمي ... وهَجْرُكَ والتَّجنِّي مُستطابُ
كذا بلوى مَلا لُكَ لا لذئبٍ ... وقولكَ ساعةَ التَّوديع طابوا
ثم قال: بالله عليك كيف وجدت نفسك بعدنا؟ وهل عندك من الشوق

الصفحة 53