كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

فيا مُريقَ دمي من غير ما سببٍ ... ها قد رضيتُ به إنْ كانُ يرضيكا
لم يُبْقِ هجرُكَ لي صبراً ولا جَلَدَاً ... ولم يَدَع فيَّ كتماناً يجنيكا
يا قلبُ إيَّاكَ أنْ تهوى سوى أملي ... أرقيكَ أرقيكَ باسم الله أرقيكا
فإنْ أَضَلَّكَ منهُ ليلُ طَّرته ... فَصُبْحُ غرَّتِهِ الوضَّاح يهديكا
يميلُ غُصنُ النّقا إنْ مال مُنعطفاً ... وإنْ رنا لفتات الظَّبي يعطيكا
يا ثغرَهُ كان دمعي أبيضاً يَقَقَاً ... فَبَدَّلَتْهُ يواقيتاً لآ ليكا
وأنتَ يا خصرَهُ أعديتَ سقمكَ بي ... حقَّاً لقد صرتُ بالي الجسم منهوكا
وبِتَّ تلدغُ يا ثعبانُ طرَّته ... قلبي فيا ليتَ أنَّي بِتُّ حاويكا
يا فِتْنَهً لو وقاني الحُبُّ وقعتَهَا ... ما كان سرَّي بعد الصَّون مهتوكا
فلا تَسَلْني عن وَجْدي وعن قَلَقي ... بَلْ سائِلِ الدَّمْعَ إنَّ الدَّمْعَ يُنبيكا
هذي دمُوُعي على حالي متُرجمةٌ ... وهذه ألسنُ الشَّكوى تُناجيكا
فقال: صدقت أيها الصب الوامق، والمحب الصادق، لكن؛ مع وجود المحبوب تسرع القلوب في توددها وتقربها، وفي غيبته ترجح إلى تنفرها وتجبنها، وهذه عادة القلوب في تعنتها وتعتبها، وما سميت القلوب قلوباً إلا لتقلبها.
فقلت له: لساني يقصر عن محاجتك عند حضورك، ويطول في غيبتك بما أنت عليه من أمورك، فلا يمكنني أن أتظلم وأنت لي ظلوم، والله يعلم الظاهر من
المكتوم:
حُجَجي عليكَ إذا خلوتَ كثيرةٌ ... وإذا حضرتَ فإنَّني مخصومُ
لا أستطيع أقولُ أنتَ ظَلَمْنَي ... واللهُ يعلمُ أنَّني مظلومُ
فقال: تزعم أنك مظلوم وأنا ظلمتك، وأنك مسلوب وأنا سلبتك،

الصفحة 56