كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

وتدعي أني خال من الأشجان والهموم، وناء عن الأحزان والوجوم، وقد حلفت لك ألف يمين، وتزعم أني في اليمين غير أمين، فإن كنت عندك غير صدوق، وممن لا ترعي لديه الحقوق، رجعت من حيث أتيت، ولا يضمني وإياك - ورب البيت - بيت.
فامدد يدك أقبلها للوداع، وأذيقك حرارة الفراق بعد لذة هذا الاجتماع، ولا تطمع مني بعدها في الوصال.
فقلت وقد تقطع قلبي بهذا المقال ورماني بما هو أشد من وقع النصال: بالله، لا تمل علي مع الزمان الغادر، ولا ترم بسهم بعادك فؤادي الطائر، فلقد عجبت من صدودك والجفاء، من بعد ذاك الوداد والوفاء، حاشا شمائلك اللطيفة أن ترى علي عونا، وحاشا أخلاقك الشريفة أن تكون لوناً وتصير لونا:
إنَّي لأعجبُ من صُدُودكَ والجَفَا ... كم بعد ذاك القُرْبِ والإيناسِ
حاشا شمائلكَ اللَّطيفة أنْ ترى ... عوناً عليَّ مع الزَّمانِ القاسي
فقال: والله، لقد ندمت على حضوري إليك، وعلى إنجاز الوعد بالعطف عليك، لأن باطنك غير سليم، وحبك غير ثابت ومقيم.
فقلت: لا تنسبي إلى عدم المودة، واستفت قلبك، فلا تتهمني، فوالله، لا أسلو هواك وحبك، فيا ليت قلبك مثل عطفك، ويا ليت ودك مثل ردفك، فبالله، ارحمني، فقد صرت من الشفا على شفا، ولا تبدل حلاوة الود بمر الجفا:
لو كان قُلبكَ مثل عطفكَ ليَّنا ... ما كنتُ أقنعُ من وصالكَ بالُمنى
لكنَّ خصرَكَ مثل جسمي ناحلٌ ... وكلاهما متُحالفان على الضَّنى

الصفحة 57