كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

بتصاعد أنينه، وكان قلبه حراً ويده على العشاق ضارية، فصار قلبه مملوكاّ ودموعه في الهوى جارية، وكان تائهاً على كلِّ متواجد بالخلوِّ، فصار تائهاً لا يعرف القرار ولا السّلو، وكان فائقاً من سكرة الحب ولاعج الغرام، فصار عاشقاً لا يرده العذل ولا يثنيه الملام، وكان سالياً عن ملاعبة كل حبيب، فصار شاكياً عن ملازمة كل رقيب، وكان رادعاً كل محب عن الحبائب، فصار واقعاً في مصائد المصائب، وكان عاذلاً فصار عاذراً، وكان حاذقا فصار حائراً، وكان مخدوماً فصار خادماً، وكان مسروراً فصار واجماً، وكان ضاحكاً فصار نائحاً، وكان كاتماً فصار بائحاً، وكان سليماً فصار سليماً، وكان كليماً فصار كليماً، وكان صحيحاً فصار عليلاً، وكان عزيزاً فصار ذليلاً، وكان ذا عزٍّ فذلَّ، مُذْ سطا عليه جيش الحب من كمينه وحلَّ.
ولطالما أرخى النَّاظر زمام طرفه، متنزَّهاّ في رشاقة معاطف المحبوب وظرفه، متفكهاً في لطافة شمائله متفكراً في شمائل لطفه، إذ عاد النظر بوبال الناظر وحتفه، وكان كالساعي على حتفه بظلفه، والجالب له الحين من الحين عشقه وعسفه.
ولهذا أمر بغض البصر، ونهى عن إرسال النظر، وقد وقع ذلك في نظم من شرح الحال، وسرح في ميدان التّتُّيم وجال، ونظر نظرةً أعقبت سهراً ووجداً، وبات كما قال يشكو من المحبوب بعداً:

الصفحة 6