كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

التهاب، وتشير إلى الدجى بلسان أفعى فيشمر ذيلة طلباً للذهاب:
وصَحِيحَةٍ بيضاَء تطلعُ في الدُّجى ... صبُحاً وتشفي النَّاظرين بدائها
شابتْ ذوابئها أوانَ شبابها ... واسودَّ مفرقها أوانَ فنائها
كالعين في طبقاتها ودمُوُعها ... وسوادها وبياضها وضيائها
ثم أحضرت أنواع الرياحين، وتفاءلت في الجمع بين الورد والياسمين، وفرشنا سفرة المدام، فتحرقت نحوها أحداق الأقداح بعد فتح المسام، فقالت بلسان الحال فأغربت، وأفصحت عن لسان القال وأعربت:
انظرْ إليَّ تراني سفرةً بديعةً ... وأنْ تُرِدْ وصفي فمهما شئتَ قُلْ
وجهي طليقٌ وانبساطي زائد ... يا ضيفِيَ ادخُلْ وانبسطْ واشربْ وكُلْ
ثم أتينا بسلاف أرق من الماء، وأجرى من الهواء، وأنور من اللهب، وأحسن من
الذهب، وأسلس من النسيم، وأشد إشراقا من الشمس قبل المغيب، وأرق من دين المحب، وخصر الحبيب:
أقول له قدْ رقَّ عيشي والصِّبا ... وخمري وكاساتي وصوت الذي غنَّى
فقال الذي أهوى: وخصري نسيتَهُ ... فقلتُ له: والله قد جئتَ في المعنى
وتضاعفت المسرات بوجود القرقف، وان كان رضاب الحبيب أشرق وأشرف، لكن الجمع بينهما نهاية الأرب، وغاية القصد والطلب، فلقد تقنعت بمر الصهباء، وحلو الكلام، وتعصبت بحديث الحبيب وعتيق المدام:
وإنَّي من لذَّات دهري لَقَانِعٌ ... بحُلْو حديث أو بمُرِّ عتيقِ
هُمَا ما هُمَا لم يبقَ شيءٌ سواهما ... عتيقُ مُدام أو حديث صديقِ
وأتينا بمناديل الشرب برسم مسح الصهباء عن الشفاه، ووضعنا

الصفحة 61