كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

صِلِ الرَّاحَ بالرَّاحات وأغنم مسرَّةً ... بأقداحها واعكفْ على لذَّة الشُّربِ
ولا تخشَ أوزاراً فأرواقُ كرِمهَا ... أكُفٌّ غَدَتْ تستغفرُ اللهَ للذَّنبِ
فقلت له: مرسومك أحق أن يطاع ويمتثل، وخدمتك أيها الملك لا تقابل بالملل.
فقال: قد وجب حقك فما لنا من بدل، فتنقل مني على المدام بلذيذات القبل.
فجعل يشرب ويسقيني فضله، وأشكر بره العميم وفضله، فسكرت من ريقه ومدامه، ودهشت من غصن البان وقوامه، وسار غرامه في سائري، لما صار منادمي ومسامري:
تأمَّلْ من خلال الشُّرب وأنظر ... بعينكَ ما شَرِبْتُ وما سقاني
تجدْ شمسَ الضُّحى تدنو بشمسٍ ... إليَّ من الرَّحيق الخُسْرُواني
فطبنا وطربنا، وشرهنا وشربنا، وغردت مناطق طيورنا، وضعف الهم بمضاعفة سرورنا، وفاح العنبر بين أيدينا من المجامر، وراح النصب وهو علينا مخامر، وأقبلت طلائح السعد في جحافل وعساكر، ودقت كاساتها لكؤوسنا، ورقصنا بقلوبنا ورؤوسنا، واستنطقنا ألسن عيداننا، وكدنا نطير ونحن في مكاننا.
فقال لي المحبوب وهو ينادمني، وبعينيه الوقاح يغازلني: تمتع بشبابك واقطعه بالطيبات وثبا، وإن أتاك شيطان الهموم فاقذفه من أنجم الصهبا:

الصفحة 63