كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

مَتِّعْ شبابَكَ واستمتعْ بخدمته ... فهو الحبيبُ إذا ما غابَ لم يؤُبِ
والهَمُّ للنَّفْس شيطانٌ يُوَسْوسُهَا ... فاقذفْهُ من أنجم الصَّهباء بالشُّهُبِ
فقلت له: لا أخالفك في أو أمرك ولا أعصيها، وأمضي إلى آرائك فأقضيها ولا أقصيها، فلقد صار المدام عندي قريباً من رضابك، لامتثال أوامرك والرضا بك، لأنني أهواك وأهوى هواك، ولا أطلب غيرك ولا أريد سواك، وأستشهد لك من
الآي والأشعار بالإشعار، بأني سأبيع العقار لحسو العقار:
أحسنُ الأشْعَارِ عندي ... انْفِ بالخمر الخمارا
وأَلَذُّ الآي عندي ... وترى النَّاس سُكارى
ولم أزل آخذ ملآناً وأعيد فارغا، والقرقف والرضاب قد أسكراني وبالغا، فجنت بأقسام ثلاثة في ذلك المقام، أزالوا العقل فهاج القلب وهام، السرور الزائد والعشق القائد والتزام المدام:
ما أطيبَ وقتَنا وأهنَا ... والعاذلُ غائبٌ وغافلْ
عشقٌ ومَسَرَّةٌ وسُكْرٌ ... والعقلُ ببعض ذاك ذاهلْ
والبدرُ يلوحُ من قناع ... والغُصْنُ يميسُ في غلائلْ
والوردُ على الخُدوُد غَضٌّ ... والنَّرجس في العُيُون ذابلْ
والعيشُ كما أحبُّ صافٍ ... والأنُسُ بَمنْ أُحبُّ كاملْ
فزحفنا على جيش الهموم بكاسات الراح، فأتى السرور لما هزم الشر وراح، وتذكرت دوسها بالأرجل، فأخذت ثأرها من الرؤوس، وكادت تطير لولا شباك الحبيب في رؤوس الكؤوس: وفي هذا المعنى اللطيف، والقول الظريف:

الصفحة 64