كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

فإنْ زعمْتُمْ بأنَّ الحُبَّ معصيةٌ ... فالحُبُّ أحسنُ ما يُعصى به اللهُ
فقم بنا - فدتك النفس - نجعل الشك يقيناً، ونستنجد بالعناق على العناد لعل العناق يقينا.
فمسكت يده وقمت إلى المبيت، بصدد الاعتناق فيه والمبيت، فتجرد من قماشه إلا من قميص فضي، وطاقية فوق جبين مضي، فاضطجعنا معاً في لحاف وأحد، وتوسدت منه بمعصم وساعدني منه بساعد:
وحَلَلْتُ بَنْدَ قبائِهِ عن بانةٍ ... هيفاَء تحكيها الغُصُون وتدَّعي
وأُخادِعُ من أنفاسها ... كتماً ويأبى المسكُ غير تَضَوُّعِ
حتَّى لو أنَّ اللَّيلَ ينشدُ بدرَهُ ... في تمِّه لأصابَهُ في مَضْجَعِي
ولم أر أحلى من معانقته، ولا ألطف من موافقته، فالتزمته حتى صرنا كواحد، وساعده مساعف لي ومساعد:
ولَّما زارَ مَنْ أهواهُ ليلاً ... وخفْنَا أنْ يلمَّ بنا مُراقبْ
تعانقْنَا لأخفيه فصرنا ... كأنَّا واحدٌ في عقل حاسبْ
وكلما التزمته زاد ما بي من الحنين والشوق، وكلما لثمته ورشفته اشتد ما عندي من الحرق والتوق، فلو اتحدنا وهو لي معانق لقلت: معاند، ولو مازجت روحي روحه لقلت: ادن مني أيها المتباعد:
أُعانقُهُ والنَّفْسُ بعد مشوقةٌ ... إليه وهل بعد العناق تدرانِ
وألثمُ فاهُ كي تزولَ حرارتي ... فيشتدُّ ما ألقى من الهيمانِ
كأنَّ فؤادي ليس يُشفى غليلُهُ ... سوى أنْ يرى الرُّوحَيْن يمتزجانِ

الصفحة 68