كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

ولم يكُ مقدارُ الذي بي من الهوى ... ليشفيه ما تروي به الشَّفتانِ
وذكرت ليالي الهجر وطولها، وما أريت في الطول على شهرها وحولها، ونظرت إلى البدر في السماء وليس له عندي بهجة، ومثلته ومحبوبي فكان تفضيل المحبوب أوجب وأوجه، وقلت أخاطب الليل وأنا صدوق اللهجة:
لَيْلَ الحِمَى باتَ بدري فيكَ معُتنقي ... وباتَ بدركَ مرميَّاً على الطُّرُقِ
شتَّانَ ما بين بدرٍ صِيغَ من ذَهَبِ ... وذاكَ بدري وبدرٌ صِيغَ من بَهَقِ
وبقيت أهصر قده القويم، وألثم ثغره النظيم، فاستحكم الفرح والسرور، وكاد يشرق على وجه الأرض نور.
وخلعنا العذار، ونبذنا الوقار، وتدانت القلوب، وساعد المحبوب، وحصل المقصود والمطلوب، وأنشدت ولبي ذاهل، ونادي السرور آهل:
رعى اللهُ ليلاً ضَمَّنَا بعد فرقةٍ ... وأدنى حبيباً من فُؤاد مُعذَّب
فَبْتَنا جميعاً لو تُراقُ زُجاجةٌ ... من الرَّاح فيما بيننا لم تُسَرَّبِ
فيا لله ما ألذ التزامه واعتناقه، وما أكثر إشفاقه بالصب وإرفاقه، فلقد سكرت من طيب شذاه عند العناق، وساق القلب إلى النعيم بالتفاف الساق بالساق:
عانقْتُهُ فسكرتُ من طيب الشَّذا ... غُصناً رطيباً بالنَّسيم قد اغتذى
نَشْوَانُ ما شربَ الُمدام وإنَّما ... أضحى بخمر رضابه مُتَنَبَّذَا

الصفحة 69