كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

وها أثرُ المسكِ في راحتي ... وهاك فمي فيه طعم العَسَلْ
فجعلت أشره في التقبيل وهو لا يمتنع، وأردع النفس عن تكراره وهي لا ترتدع، وأكفكف عبرة السرور وهي لا تنقطع، حتى عاد فص خاتم فيه العقيق فيروزجا، وهو لا ينكره، بل كلما قصدت قبلة أو ما إلي وجا:
حَمَلْتُ خاتَمَ فْيهِ فَصَّاً أَزْرَقَا ... من كثرة اللَّثْمِ الذي لَمْ أُحصِهِ
لولاهُ ما عَلِمَ الرَّقيبُ فيا له ... من خاتمٍ نَقَلَ الحديثَ بفصَّهِ
فرعاها الله من ليلة ما كان أعظمها وأعزها، وأبرها وألذها، وأخصرها وأقصرها،
وأحلاها وأجلاها قلت فيها لقلبي: أتعرف يا قلب من سمح لك بعد العناء بالعناق، وتدري من أباحك لف الساق بالساق؟ ومن ذا الذي يأتي من لطيف العتاب بما يلين الحجر، ويبدي من المقال ما يطيب به رعي السهر بالسمر:
رعى الله ليلةَ وصلٍ حلَتْ ... وما خالطَ الصَّفْوُ فيها كَدَرْ
أتَتْ بغتةً ومَضَتْ سُرعةً ... وما قَصُرَتْ بعد ذاك الِقصَرْ
خَلَتْ عن رقيبٍ وعن حاسدٍ ... ولم تكُ إلا كَلَمْحِ البَصَرْ
بغير اختيارٍ ولا كُلفَةٍ ... ولا موعدٍ بيننا يُنْتَظَرَ
فقلتُ وقد كادَ قلبي يطيرُ ... سُرُوراً بنيل الُمنى والوَطَرْ
أيا قلبُ تعرفُ مَنْ قد أتاكَ ... ويا عينُ تدرينَ مَنْ قد حَضَرْ
ويا قمرَ الأُفقِ عُدْ راجعاً ... فقد باتَ في الأرض عندي قمرْ
ويا ليلتي هكذا هكذا ... وبالله بالله قِفْ يا سَحَرْ
فكانتْ كما أشتهي ليلتي ... وطابَ الحديثُ وطالَ السَّهَرْ

الصفحة 71