كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

ومرَّ لنا مِنْ لَطيف العِتابِ ... عَجَائِبُ ما مِثْلُها في السَّيَرْ
خَلوْنا وما بَيْنَنَا ثالِثٌ ... فأصبَحَ عند النسَّيم الخَبَرْ
وصرت ألاعب المحبوب وأسامره، وأناغيه وأداعبه وأساهره، ولم أقص ليلة مثلها في العمر، ولا نالها ذو عقل ولا غمر، قطعتها هياماً وسهرا، ولا ذقت فيها مناماً ولا كرى:
لا أعرِفُ النَّومَ في حالَيْ جفاً ورضىَ ... كأنَّ جفني مطبوعٌ على السُّهَدِ
فليلةُ الوصلِ تُمْضَى كُلُّها سَهَرَاً ... وليلةُ الهجرِ لا أغفو من الكَمَدِ
وكلما جاء الكرى يعبث بجفونه النواعس، أوعظه بمعانقة قده المائس، وأمنعه النوم
لأتملأ بمسامرته ومساهرته، وأفوز عند مساهدته بمشاهدته.
وقلت لعينيه: كللتم بالنهار فرقدتم، وأصبتم قلب المستهام بالسهام فجرحتم:
وفَتَّاكُ اللَّواحظ بعد هَجْرٍ ... دنا كَرَمَاً وأنعمَ بالمزارِ
وظلَّ نهارُهُ يرمي بقلبي ... سِهاماً من جُفُونٍ كالشَّفارِ
وعند اللَّيلِ قلتُ لُقلَتَيْه ... وحُكْمُ النّضوم في الوَجَنات ساري
تباركَ مَنْ توفَّاكُم بليلٍ ... ويعلمُ ما جَرَ حْتُمْ بالَّنهارِ
ولم أزل في تلك النعمة العظيمة، والمنة الجسيمة، حتى برق عمود الصباح فانفلق، من الغيرة وانخنق وناحت الأطيار في الأسحار، فتصدع القلب للفراق وطار، وتحققنا وفاة ليلتنا الجانحة الناجحة، ومصادفتها الحمام لما سمعنا من الحمام في كل ناحية نائحة:

الصفحة 72