كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

وأنذرتْ بوفاةِ اللَّيل ساجعةٌ ... كأنَّها في غدير الصُّبح قد سَبَحَتْ
مخضوبةُ الكَفِّ لا تنفكُّ نائحةً ... كأنَّ أفراخَها في كَفِّها ذُبِحَتْ
فقال لي المحبوب: أما ترى الصبح يحسدنا على التالف والوصال، حتى سطا علينا وظهر وصال.
فقلت: إن عندي من ذلك قلقا وضجر، فقال: ألا تراه من الغيط قد انفلق وانفجر:
قلتُ وقد عانَقتُهُ: ... عِندي من الصبُّح قلقْ
قال: وهل يحسُدنُا؟ ... قلتُ نَعَمْ قد انفلقْ
وطال نوحي؛ حيث أتانا الصبح يجر ذيله، وطار قلبي لطيران تلك الليلة، وتذكرت تلك الليالي الطول، وقصر ليلة القرب والوصال، فأخذت العين في البكاء والإرسال، وأخذ القلب في الحنين والإعوال، فلم أر ليلة أطول من إحيائها
وسهرها، ولا أقرب مما بين عشائها وسحرها:
يا ليلةً كادَ من تَقَاصرُهَا ... يعثُرُ فيها العشاءُ بالسَّحَرِ
تطولُ في هجرنا وتقصرُ في ال ... وصلِ فما نلتقي على قَدَرِ
تذكرت قيام الحبيب من صدري، فعدمت قلبي وسلبت صبري، فقال لي: إني عازم على الرحيل ومسارع، وقد أودعتك لمن لا تخيب لديه الودائع، وقبل يدي وانتصب للرحيل، فتضاعف ما بي من البكاء والعويل.
فقلت: قبل فمي، فإني إليه أشره وأشوف وأشوق، وهو للصب أرفد وأرفع وأرفق، وأنشدت وقلبي في نار الجحيم مخلد، وأنا أبكي وأنتحب وأنوح وأتنهد، أتذكر ليلتي المنعمة بأنواع اللطائف والتحف، وغبطتي المستحيلة بالأسى والأسف:

الصفحة 73