كتاب لوعة الشاكي ودمعة الباكي

عُودي عليَّ ولو كَلَمْحِ الناَّظرِ ... ليعودَ لي زمنُ الشَّباب النَّاضرِ
كُلُّ اللَّيالي الماضيات خلاعةٌ ... تفدي نعيمكَ يا ليالي حاجرِ
ما كُنْتَ في اللَّذَّات إلاَّ خلسةً ... سمعتْ بها الأيَّامُ سمعةَ غادرِ
كان الصِّبا منها أرقَّ من الصبَّا ... وألذَّ من غفوات عين السَّاهرِ
آهاً على أيَّام نجدٍ إنَّها ... أيَّام أفراح ٍوعَصرُ بشائرِ
ما كنتُ أقنعُ بالتَّواصل منهم ... واليومَ أقنعُ بالخيالِ الزَّائرِ
فلقد أضحى البعاد بديلاً من التلاقي، وشؤون الجفون تفيض من آماقي، حتى تبدلت بالنعيم جحيماً، وبالخضرة هشيما، وبالعيان غيابا، وبالعذوبة عذابا، وبالوصال بعادا، وبالعناق عنادا، وبالكسب خسراناً، وتغبينا، وبالكوثر (العذاب) زقوماً وغسلينا:
أضحى التَّنائي بديلاً من تدانينا ... وعَزَّ عن طيبِ لُقيانا تجافينا
بِنْتُمْ وبِنَّا فما ابتلَّتْ جوانحُنا ... شوقاً إليكم ولا جَفَّتْ أماقينا
حالتْ لفقدكُم أيامُنا وغَدَتْ ... سُودَاً وكانتْ بكُمْ بيضاً ليالينا
نكادُ حين تُناجيكُم ضمائرُنا ... يقضي علينا الأسى لولا تأسِّينا
لو يسبقُ العهدُ منكُم للسُّرُور فما ... كُنْتُمْ لأرواحنا إلا رياحينا
إنَّ الزَّمان الذي قد كان يُضحكُنا ... أُنساً بقُربكُمْ قد عاد يُبكينا

الصفحة 76